أحمد سعد حمد الله يكتب: ترامب ومرتضى منصور.. أين التشابه؟!

يحلو للكثيرين من المصريين، تشبيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالمحامي المصري الشهير مرتضى منصور (رئيس نادي الزمالك السابق)

ووجه الشبه المقصود هنا ليس في الهيئة أو الملامح، إنما في الخطاب، والتصرفات، والأفعال الصادرة عن الاثنين، حيث إنهما يملكان نفس الخصال الشعبوية، عند التحدث أمام وسائل الإعلام أو في الحشود الجماهيرية المؤيدة لكل منهما، وهو شكل من الخطابة يعتمد على الصوت العالي، والألفاظ الحادة العنيفة، وافتعال المعارك، مع الخصوم والمنتقدين، دون اعتبار لأية معايير أو قيم أخلاقية، تراعي الذوق العام، وتليق بالموقع الذي يتحدث منه كليهما.

وأكثر ما يتشابه فيه الاثنان هو العمل على إرضاء شريحة كبيرة من الجماهير، التي يروقها هذا اللون من الخطابة، وترى فيه جرأة زائدة لا تتوافر إلا في الرجال الشجعان، من عينة ترامب ومرتضى، وهي الشجاعة التي يعتقد البسطاء بوجودها، في القائد القوي، الذي يجب أن تسير خلفه الناس، بغض النظر عن مدى مصداقيته، أو قدرته على الوفاء بما يعلنه من قرارات، ويتخذه من مواقف.

ترامب والسير على نهج مرتضى

عرف الناس مرتضى منصور قبل أن يعرفوا دونالد ترامب، فمرتضى ظهر على الساحة الإعلامية منذ أكثر من ربع قرن تقريبا، تحديدا في منتصف تسعينات القرن العشرين، عندما انضم لعضوية مجلس إدارة نادي الزمالك للمرة الأولى، أما ترامب فلم يعرفه الناس إلا في 2017 عندما تولى رئاسة أمريكا للمرة الأولى، ومن ثم يمكننا القول هنا بإن الظاهرة المرتضوية ظهرت قبل الترامبية، وعلى الرغم من الفارق الرهيب بين الموقع الذي يشغله كليهما، حيث أن الأول مجرد عضو أو رئيس لناد جماهيري يأتي في المرتبة الثانية من حيث الشعبية في بلده، والثاني رئيس لأهم وأكبر دولة في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن التصرفات الخرقاء والأفعال غير المسؤولة التي فعلها ويفعلها ترامب، نزلت بمستوى الدولة العظمى الحاكمة للعالم، إلى حجم ومستوى ناد رياضي في قارة أفريقيا، كما حطت برئيسها، لدرجة مساواته بعضو مجلس إدارة أو رئيس لهذا النادي، فما فعله ترامب قبل أربع سنوات، عندما سقط في الانتخابات الأمريكية أمام منافسه جو بايدن، برفضه لنتائج الانتخابات، وتحريض أنصاره ومؤيديه على اقتحام مبنى الكونغرس لإلغاء نتيجة الانتخابات، ومنع وصول الرئيس الجديد المنتخب إلى البيت الأبيض بالقوة، كان مرتضى منصور قد فعل مثله في كثير الانتخابات التي خاضها، عندما تأتي النتائج في غير صالحه، الزائد هنا هو أن كل الانتخابات التي خاضها مرتضى في نادي الزمالك، شهدت أعمال شغب عنيفة، كان يفتعلها أنصاره لإخافة المرشحين المنافسين، والتأثير على الجهات القضائية المشرفة على الانتخابات، وهو أمر فعله ترامب بنفس مثله في أعقاب انتخابات الرئاسة الأمريكية قبل الأخيرة.

المُشترك بين ترامب ومرتضى

من تابع أي انتخابات خاضها مرتضى منصور على رئاسة نادي الزمالك ونجح فيها، يجده بعدها وقد خرج على الجماهير يوزع الاتهامات على خصومه، ويتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، وأنه سيفضحهم أمام الرأي العام، وسيدخلهم جميعا السجون، كما أنه يحرص على أن يُبشر الجماهير بعشرات البطولات التي سيحصدها النادي في وجوده، ومئات المشروعات التجارية، وكذلك الحال مع ترامب بعد فوزه بانتخابات الرئاسة الأمريكية، فقد بدت لغته قريبة الشبه من لغة مرتضى منصور، وقد رأى العالم ذلك جليا، بعدما عاد ترامب لكرسي الرئاسة مرة ثانية، حيث راح يوزع الاتهامات، ويعلن الحروب على خصومه، ويتوعد القضاة وأعضاء الكونغرس والخصوم السياسيين، بزعم أنهم أسقطوه في انتخابات 2020، ولم تقف تهديداته عند الشأن الداخلي فحسب، إنما امتدت إلى إعلان الحرب على العديد من الدول الجيران وغير الجيران، فمن اليوم الأول لجلوسه على كرسي الحكم مجددا، دخل في معارك مع الصين والمكسيك وكندا، بفرضه رسوم جمركية جديدة على وارداتهم للولايات المتحدة، كما أعلن الحرب على قطاع غزة الفلسطيني، وتهديده بتهجير سكانه.

وإذا كان معروفا عن مرتضى منصور حنثه الدائم لكل وعوده، وعجزه المستمر عن تنفيذ أي تهديد وجهه لخصم من خصومه، حيث التصريحات دائما ما يكون هدفها الوحيد هو إلهاب حماس الجماهير، ودغدغة مشاعرهم، وإثارة الجدل بين في الشارع، ليضمن بذلك ترديد اسمه باستمرار، فأني لا استبعد أن تكون تصريحات ترامب الأخيرة تحمل نفس الهدف، لا سيما وأن المطالب والأهداف التي يريد تحقيقها، غالبا ما تكون لا منطقية وغير مقبولة في مختلف الأوساط الدولية، وقد رأينا كيف أنه تراجع مؤخرا عن فرض رسوم جمركية جديدة على كندا والمكسيك، كما أظن أنه لن يتمكن من تحقيق هدفه بتهجير سكان غزة كما يريد، ولعل من تابع أداءه في فترة رئاسته الأولى يعرف أن كثيرا من التصريحات النارية التي أطلقها ومواقفه القوية التي اتخذها، فشل في تنفيذها، بعد أن عجز عن حسم معظم الملفات المهمة التي تصدت لها أمريكا، ففي وجوده فشلت أمريكا في الانقلاب على الرئيس الفنزويلي  نيكولاس مادورو، وفي وجوده أيضا، فشلت الإدارة الأمريكية في منع حركة طالبان من الوصول للحكم في أفغانستان، وغير ذلك من المواقف الكبيرة التي تصدى لها ترامب وعجز عن حسمها.

مرتضى وترامب يسكنان نفس البيت

من المفرقات الطريفة التي تجمع بين مرتضى منصور ودونالد ترامب، أن الاثنين يقيمان في نفس البيت، وهو البيت الأبيض، الفارق فقط هنا هو أن البيت الأبيض الأمريكي هو مقر الحكم، أما البيت الأبيض الخاص بمرتضى فهو مكان السكن والمعيشة، فالمنزل الذي يعيش فيه مرتضى هو أفراد عائلته ومقره شارع أحمد عرابي بمنطقة المهندسين بالقاهرة، تم طلاؤه بالكامل من الخارج باللون الأبيض، فأصبح أسمه البيت الأبيض، وهذا لم يكن مجرد مصادفة، إنما كان مقصودا، حيث أراد مرتضى منصور من خلاله أن يطلق الناس على بيته البيت الأبيض نسبة إلى مقر الحكم بأمريكا، والبيت الأبيض الأمريكي هو ذلك المبنى الشهير الذي يقع في شارع بنسلفانيا شمال شرق العاصمة الأمريكية واشنطن، وهو المقر الرسمي ومكان العمل لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights