أحمد سعد حمد الله يكتب: نجيب ساويرس رئيسا للنادي الأهلي

كلنا يعرف أن نجيب ساويرس، رجل أعمال مصري صحاب ثراء فاحش.
وكلنا يعرف أن لديه بيزنس ضخم يقدر بمليارات الدولارات، فضلا عن امتلاكه، للعديد من المشروعات التجارية العملاقة، المنتشرة حول العالم.
لكن لا أحد يعرف على وجه التحديد، من أين جاءت ثروته، أو كيف أقام مجموعته التجارية العملاقة، خصوصا وأنه سبق وأن أدلى بتصريحات تليفزيونية، أكد فيها أنه لم يولد وفي فمه معلقة من ذهب، إنما كان عصاميا، بدأ من الصفر (مثله في ذلك مثل عبد الحليم حافظ الذي بدأ معدوما في فيلم معبودة الجماهير، ثم أصبح ثريا بعد أغنية جبار) وأنه أي ساويرس شق طريقه نحو الثراء، عبر بعض الأنشطة التجارية التافهة، التي لا تؤدي أبدا إلى كل هذا الثراء الذي هو فيه الآن، وكانت هذه الأنشطة، عبارة عن بيع الهدايا والساعات على أرصفة المترو والقطارات بأوروبا!
هناك من يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية، هي من تقف وراء بيزنس ساويرس وعائلته، وهي التي تمولهم بالأموال لتحقيق بعض مصالحها في مصر، وبعض أخر يقول إنها الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، التي ينتمي إليها ساويرس وأفراد عائلته، وقد ائتمنتهم الكنيسة على استثمار أموالها لديهم.
أعلم أن قصة ثراء نجيب ساويرس، لا تهم أحدا ولا تشغل بال الكثيرين ممن يسمعون عنه، أو يتابعون أخباره، لكنها في الحقيقة تشغلني، وتأخذ من وقتي الكثير في البحث والتفكير، باعتباري عصامي قديم لم يتخط عتبة العصامية بالرغم من بلوغه الستين، وقد انشغلت بمعرفة مصدر ثروة ساويرس، لا لأعرف كيف يمكن لي أن أتخطى عتبة العصامية، فقد أشتعل الرأس شيبا وبلغت من الكبر عتيا، ولا لأتقدم ضده ببلاغ إلى هيئة الكسب غير المشروع، لتسأله من أين لك هذا، وإنما لأجد إجابة عن تساؤل مهم كان ولا يزال يحيرني، وهو كيف لرجل أعمال كبير مثل ساويرس، يملك كل هذه الثروة الضخمة، ويدير هذا الكم الماهول من البيزنس، ثم يكون له كل هذا التواجد والنشاط الذي نراه عليه بمواقع التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، هذا غير المهرجانات والحفلات الراقصة؟!
فنجيب ساويرس أراه مقطوعا للظهور الإعلامي والتواجد بمواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع إكس (تويتر سابقا) الذي يهتم ساويرس بالحضور فيه والنشر عليه أكثر من اهتمامه بأرباح وخسائر شركاته، لدرجة تٌشعر من يتابعه، أن السوشيال ميديا باتت بالنسبة إليه أكل عيش ومصدر رزق إضافي أو ربما وحيد!
بل الأغرب من ذلك هو دائبه المتواصل على الرد والتفاعل مع الجمهور، بل والاشتباك مع أصحاب التعليقات في أغلب الأحيان، وتلك مهمة كفيلة بالتهام وقت الرجل الصايع الضايع الذي لا شغلة له ولا مشغلة، وليس رجلا مثل ساويرس، اقتصاده ينافس اقتصاد الدول، فهذا حال يتنافى مع ما نعرفه من قيمة الوقت عند رجال الأعمال، خصوصا الكبار منهم مثل ساويرس، الذين لديهم ارتباطات تفوق ارتباطات رؤساء وملوك الدول، ومن ثم يُفترض أنهم يحسبون وقتهم بالثانية، والفيمتو ثانية.
وقد يقول قائل إن مثل هذه النوعية من كبار رجال الأعمال، لا يديرون أعمالهم ومشروعاتهم بأنفسهم، باعتبار أن تكنولوجيا الإنترنت والاتصالات الحديثة، جعلت من السهولة بمكان إنجاز أكبر الأعمال والمشروعات عن بعد، وبكبسة زر، دون حاجة لتفرغ أو تواجد في مكان معين، نعم فهذا قد يكون صحيحا وحاصلا، لكن رجال الأعمال الثقال من هذه النوعية، محتاجون في الوقت نفسه، إلى التواصل مع من يديرون لهم مشروعاتهم، لا للإشراف أو الإدارة، وإنما للتوجيه وحل المشكلات التي تطرأ، وأيضا لأخذ مشورتهم في الأفكار المقدمة لإقامة مشروع جديد أو تطوير مشروعات سابقة، حيث أن رجال الأعمال الكبار مثل ساويرس، يتلقون يوميا مئات الأفكار والاقتراحات لإقامة مشروعات جديدة، وتلك مهمة لا يستطيع أن يبت فيها إلا صاحب رأس المال نفسه، ولا ينفع معها الإنترنت، ثم أن مصر بها العشرات من رجال الأعمال أمثال ساويرس، فلماذا لا نراهم عاطلين مثله؟!
رئاسة الأهلي
التحليل النفسي لحالة مثل حالة نجيب ساويرس هذه، يدفعنا للقول بإننا أمام شخص مريض بداء الشهرة، وقبل أن يقول قائل إن نجيب ساويرس ليس في حاجة للشهرة باعتباره أشهر من نار على علم، أقول إن مرض حب الشهرة، هو داء لا يصيب الأشخاص العاديين، إنما يصيب المشاهير فقط من أمثال ساويرس، فالمشاهير هم الذين جربوا لذة الشهرة وأدمنوا أضواءها، أما الشخص العادي فلم يجرب من الأصل طعم الشهرة ليصاب بداءاتها، ومرض حب الشهرة والظهور في دائرة الضوء منتشر بكثافة بين الكثير من رجال الأعمال والإعلاميين والسياسيين ونجوم الفن والرياضة، لكن تستطيع أن تلحظه بين مشاهير كرة القدم، خصوصا بعدما يقررون اعتزال اللعب أو يضطرون إليه، فهم وتحت تأثير هذا المرض، تجدهم يفعلون الأفاعيل من أجل البقاء في دائرة الشهرة، لدرجة أن بعضهم يقرر العودة للملاعب مرة ثانية، بعد سنة أو سنتين من الاعتزال، لأنه لم يقدر على مواجهة الأعراض الانسحابية لخروج مخدر الشهرة من الدم، وظني أن هذا المخدر هو الذي يدفع نجيب ساويرس كثيرا للتخلي عن وقاره، والتنازل عن هيبته، فيقبل على تصرفات صبانية وهو الذي في خريف العمر (71 عاما) كأن يظهر ثملا مثلا، أو يرقص مع ممثلين سيء السمعة، ووسط شباب وفتيات في عمر أولاده وربما أحفاده!
وهذا الداء نفسه هو ما يجعل نجيب ساويرس يطلق كثيرا تصريحات إعلامية مضروبة، لا هدف من ورائها سوى إثارة الجدل وتسليط الضوء عليه.
من ذلك مثلا تصريحاته التي أطلقها مؤخرا، وقال فيها إنه مستعد للترشح لرئاسة النادي الأهلي في الانتخابات القادمة، لكنه اشترط لذلك خصخصة النادي أولا حتى يستطيع أن يستثمر فيه، على اعتبار أن القطاع الرياضي عامة يتطلب ضخ أموالا ضخمة للإنفاق عليه، ولا يمكن تعويض هذه الأموال دون خصخصة وإطلاق يد المستثمرين فيه.
دعك من أنه قال هذا الكلام دون مراعاة لمشاعر للحالة النفسية والصحية للكابتن محمود الخطيب الرئيس الحالي للنادي الأهلي، والذي كان قد أعلن قبل أيام قليلة أنه قرر القيام بإجازة طويلة لتلقي العلاج من بعض الأمراض التي يعانيها، وأنه قد يعود إلى النادي مرة ثانية أو لا يعود، فساويرس وللأسف استغل تلك التصريحات، وتعامل معها على أساس أن الخطيب لن يعود لرئاسة الأهلي مرة ثانية، ومن ثم أعلن عن رغبته في رئاسة النادي، وهو تصرف يكشف عن انتهازية في أدنى صورها.
دعك من هذا ودقق في فكرة استعداده لرئاسة الأهلي، واسأل هل هو صادق في كلامه، أو جاد في رغبته، أم أن ما يهمه فقط، هو إثارة الجدل وتسليط الأضواء عليه، لا شك أنه غير جاد بالمرة، لكنه يدرك أن شؤون وأحوال النادي الأهلي، تشغل بال عشرات الملايين ممن يشجعون النادي داخل مصر وخارجها، ومن ثم فإن أي حوار يتعلق بأحوال النادي، سيجعل كل هذه الملايين تتحدث عنه وتذكر أسمه.
والحقيقة أن ساويرس سبق له وأن أدلى بنفس هذا التصريح أكثر من مرة، دون أن يبرهن يوما على صدق رغبته، أو جدية موقفه، وتستطيع التأكد من ذلك بالرجوع إلى محرك البحث (غوغل) والبحث عن تصريحات ساويرس المتعلقة باستعداده لرئاسة النادي الأهلي، لتتأكد من أن تصريحه الأخير، لم يكن هو الأول من نوعه، فقد أطلقه نفسه مرات عديدة من قبل، وفي عهود مختلفة لمجلس إدارة النادي، وفي كل مرة يكون هدفه المبتغى، هو إثارة الجدل والبحث عن الشهرة، خصوصا وأنه يدرك جيدا مدى صعوبة رئاسته هو تحديدا للنادي الأهلي، لدواعي عديدة، أترك تخمينها لنباهتك سيدي القارئ!
ساويرس والفتنة الطائفية
كان من الممكن التجاوز عن حالة الإجهاد العاطفي (مرض نفسي شائع) التي يعانيها ساويرس بحثا عن الشهرة، لو أنها توقفت عند حد المراهقة الفكرية والبحث عن الإثارة فقط، إنما الخطورة تكون عندما تدفع تلك الحالة ساويرس لأن يتحول من مجرد شخصية مشهورة، إلى متدين متعصب لدينه، ينشر الآراء ويروج الأكاذيب، التي تثير الفتن وتدفع للتلاسن، وربما للاقتتال، فكم من رأي صرح به أو تويتة نشرها، عبرت عن تعصبه الشديد للمسيحية، وكراهيته للأديان الأخرى، الإسلام تحديدا، بل إن بعض منشوراته كادت تٌحدث فتنة طائفية بين المسلمين والأقباط، ولعل أشهر تويتاته التي كادت تشعل النار، هي التي نشرها في الخامس والعشرين من شهر يونيو 2011، وكانت عبارة عن صورة للشخصية الكارتونية الشهيرة (ميكي ماوس) وهو بلحية ويرتدي الجلباب، وبجانبه (ميني ماوس) ترتدي النقاب، وكان الهدف من تلك الصورة هو التهكم على المسلمين، والاستهزاء بالإسلام والسخرية منه، وهي تويتة كانت كفيلة بأن تشعل نيران الفتنة في مصر بطول البلاد وعرضها، خاصة وأنه نشرها في توقيت شديد السخونة والحساسية، كانت فيه ثورة 25 يناير لا تزال في شهورها الأولى، وكان الشارع المصري أشبه بمحطة وقود مفتوحة التانكات، جاهزة للانفجار مع أول عود ثقاب يتم إشعاله، وكاد ساويرس أن يكون هو من أشعل هذا العود، إشباعا لتعصبه، وتنفيسا لشهوة الشهرة، وتعاطيا لمخدرها!
متى يعقل نجيب ساويرس؟!