أحمد هلال يكتب: من ميادين السيوف إلى حروب الدرونز قراءة جديدة
الرؤية الإعجازية في حديث النبي ﷺ: «ألا إن القوة الرمي»
يُعد حديث النبي ﷺ: «ألا إن القوة الرمي» (رواه مسلم) من الأحاديث التي تحمل أبعادًا إعجازية تتجاوز سياقها التاريخي، حيث وضع النبي الكريم ﷺ مفهومًا استراتيجيًا للقوة يتجاوز أساليب القتال التقليدية في عصره، ويمتد ليشمل التطورات العسكرية عبر العصور.
وكلما استجدت حروب ومعارك كلما اكتشفنا اعجازا جديدا في سياق أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ربما لم نلتفت إليها وقت سماعها، لكن الأحداث المتسارعة تجبرنا علي الوقوف كثيرا عندها.
وكذلك جزء من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصفه اهل الرباط: لا يضرهم من خذلهم!!
لم نكن نستوعب حجم الخذلان ولا من أين يأتي، ولكن كلمة من شملت كل ذلك الخذلان الذي رأيناه مؤخرا مع أهل غزة!
أولًا: السياق التاريخي للحديث
في زمن النبي ﷺ، كانت الحروب تعتمد على المواجهة المباشرة باستخدام السيوف والرماح، وكان القتال يتم في ساحة المعركة وجهًا لوجه. ومع ذلك، كان هناك استخدام للأسهم والنبال، لكنها لم تكن الوسيلة الأساسية للقتال. ومع ذلك، نجد أن النبي ﷺ يؤكد على الرمي باعتباره جوهر القوة، مما يشير إلى نظرة استشرافية بعيدة المدى.
ثانيًا: الإعجاز في الحديث من منظور عسكري واستراتيجي
1- تطور أدوات الرمي عبر الزمن
لو تأملنا في تطور أدوات القتال منذ عهد النبي ﷺ حتى العصر الحديث، نجد أن جميع وسائل القوة العظمى تعتمد على الرمي بأشكاله المختلفة، بدءًا من السهام والنبال، مرورًا بالمدافع والأسلحة النارية، وصولًا إلى الصواريخ والطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة. كل هذه الأدوات هي أشكال متطورة من «الرمي»، مما يجعل الحديث نبوءة واضحة بتطور أدوات الحرب.
2- مفهوم الحرب عن بُعد
كانت الحروب في زمن النبي ﷺ تقوم على المواجهة المباشرة، لكن الحديث يشير إلى أن القوة تكمن في القدرة على إيصال الضربات دون الحاجة للاشتباك المباشر. وهذا ما تحقق في العصور الحديثة عبر الطيران الحربي، والمدفعية بعيدة المدى، والأسلحة الذكية، بل وحتى الحروب السيبرانية التي تعد امتدادًا لمفهوم «الرمي» بطرق حديثة.
3- الردع والسيطرة العسكرية
الدول الكبرى اليوم تعتمد على تفوقها في القدرة على “الرمي”، سواء من خلال الصواريخ الباليستية أو الطائرات المسيرة أو حتى القدرة على ضرب الأهداف عن بُعد. ولو قارنا ذلك بتأكيد النبي ﷺ على أن القوة تكمن في الرمي، لأدركنا أن هذا المفهوم هو أساس الاستراتيجيات العسكرية الحديثة.
ثالثًا: دلالات الحديث في عالم اليوم
1- أهمية التفوق التكنولوجي
الحديث يوجه الأمة إلى ضرورة تطوير وسائل القوة، وعدم الاكتفاء بالأساليب التقليدية. في عالم اليوم، القوة ليست فقط في امتلاك الجيوش، بل في امتلاك التقنيات التي تمكّن من “الرمي” الدقيق، سواء كان ذلك في المجال العسكري أو حتى في الاقتصاد والسياسة والإعلام.
2- أثر الرمي في الصراعات الحديثة
الصراعات الحالية تعتمد على مبدأ الضربات الاستباقية والقوة النارية عن بُعد،
مما يجعل من مفهوم «الرمي» جوهر التخطيط العسكري لأي دولة تسعى للحفاظ على تفوقها.
ومن اللافت أن أكبر القوى العسكرية اليوم هي تلك التي تمتلك أنظمة صاروخية متطورة وطائرات بدون طيار وأسلحة دقيقة بعيدة المدى،
مما يعكس حكمة الحديث النبوي.
أخيرا
حديث النبي ﷺ: «ألا إن القوة الرمي» لم يكن مجرد توصية بممارسة الرماية في ذلك العصر، بل كان رؤية استراتيجية تتجاوز الزمن،
وتضع أسسًا لفهم طبيعة القوة في العصور اللاحقة. ولو تأملنا في القوى العالمية اليوم،
لوجدنا أن سيادة الدول تعتمد على مدى تطورها في “الرمي” بمفهومه الحديث، سواء في المجال العسكري أو غيره.
وهذا يثبت أن الحديث لم يكن تعبيرًا عن واقع زمني محدود، بل كان إشارة نبوية إلى جوهر القوة في كل عصر.
مصادر المقال:
المقال يعتمد على تحليل حديث النبي ﷺ «ألا إن القوة الرمي» من زوايا متعددة، وهو مبني على عدة مصادر معرفية دون النقل الحرفي من مرجع محدد.
لكن يمكن الإشارة إلى بعض المراجع التي تتناول محاور المقال، سواء في الحديث النبوي،
أو الدراسات العسكرية، أو التطور التكنولوجي في الحروب. وهذه بعض المصادر التي يمكن الرجوع إليها:
1- المصادر الشرعية والتفسيرية
صحيح مسلم، حديث (1917) – (رواية الحديث في باب فضل الرمي والحث عليه).
فتح الباري لابن حجر العسقلاني – شرح الحديث في سياق الجهاد والتكتيكات العسكرية.
عون المعبود شرح سنن أبي داود – تعليق على الحديث وبيان دلالاته.
نيل الأوطار للشوكاني – توضيح لمعاني القوة في الحديث النبوي.
2- المصادر العسكرية والتاريخية
كارل فون كلاوزفيتز، «عن الحرب» – يناقش تطور الاستراتيجيات القتالية عبر العصور.
كتاب «فن الحرب» لسان تزو – يشرح أهمية القوة غير المباشرة والتخطيط الاستراتيجي.
دراسات عن تطور الأسلحة من العصور الوسطى حتى العصر الحديث، مثل:
The Evolution of Weapons and Warfare – (تطور الأسلحة وأساليب الحرب).
Military Strategy: A Global History – (تاريخ الاستراتيجيات العسكرية عالميًا).
3- الأبحاث الحديثة عن التكنولوجيا العسكرية
تقارير من مراكز أبحاث متخصصة، مثل RAND Corporation ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)،
حول التطور في الحروب الحديثة، خاصة في مجال الطائرات المسيرة والصواريخ الذكية.
مقالات بحثية عن الردع الاستراتيجي والحروب عن بعد، مثل تلك المنشورة في مجلات Foreign Affairs وNational Defense University Press.
4- التحليل الفقهي والاستراتيجي المعاصر
بعض الأبحاث والمقالات التي تتناول العلاقة بين الفكر الإسلامي والاستراتيجيات العسكرية الحديثة، مثل:
أبحاث حول فقه الجهاد وتطور أدواته من مؤلفات المعاصرين مثل يوسف القرضاوي ومحمد أبو فارس.
دراسات تحليلية في الفكر العسكري الإسلامي، التي تربط بين المفاهيم النبوية والتطور العسكري الحديث.