أكاديمي مصري وزيارة اردوغان للقاهرة ..ضجيج بلا طحين ودور فاعل لطرف ثالث في عرقلة التقارب
أكد الأكاديمي المصري استاذ العلاقات الدولية بجامعة سقاريا التركية عصام عبدالشافى ان تركيزه علي زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولقائه بقائد الانقلاب العسكرى في مصر عبدالفتاح السيسي لا يتعلق بأهمية اللقاء السياسية والاقتصادية والاستراتيجية للطرفين بل لكون اللقاء مؤثرا في كثير من قضايا المنطقة خصوصا أن زيارة الرئيس التركي هي الزيارة الأولي للقاهرة منذ عام 2012يوم حل عليها ضيفا كرئيس وزراء قبل تغيير النظام السياسي التركي لنظام رئاسي .
ونبه في فيديو مصور له علي اليوتيوب إلي أن اكثر المهتمين بزيارة أردوغان للقاهرة هم المقيمون المصريون في تركيا الذي يشكلون رافدا مهما للمعارضة المصرية للنظام هناك سواء أكانت مرجعيتهم إسلامية أو ليبرالية وبعض ممثلي التيار اليساري وهم أقلية محدودة في تركيا.
وتابع يعود الاهتمام بالزيارة انطلاقا من أنه قد يكون لها انعكاس سلبي علي أوضاعهم لاسيما أن المعارضة المصرية قد تراجع حضورها وتأثيرها وغدت تعاني من هشاشة سياسية وعدم القدرة علي تنظيم صفوفها وطرح المبادرات ومواجهة النظام رغم كثرة جرائمه وانتهاكاته ليس ضد الشعب فقط ولكن ضد السيادة والاستقلال والأرض .
ولفت إلي التركيز علي هذه الزيارة يأتي كذلك لوضع النقاط علي الحروف لاسيما أن هناك من ينظر للزيارة باعتبار ان مصر وتركيا دولتان محوريتان في المنطقة ولا يمكن للطرفين الاستغناء عن وجود علاقات قوية بينهما والإشارة إلي العلاقات القوية بين البلدين قد يكون لهما تأثير في قضايا المنطقة بشكل يطرح تساؤلا عما كان البلدان قد غابت عنهم هذه الأهمية والتأثير في شئون المنطقة منذ العام 2013وتبنت تركيا سقفا عاليا ورافضا للانقلاب العسكري في مصر .
ويتكرر نفس التساؤل بحسب عبدالشافي عندما أحذت مصر موقفا مهللا ومرحبا بالمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا وتبني النظام رؤية داعمة لهذه المحاولة وروجت لها وسائل الإعلام الموالية للسلطة وتفاخر بها كأن القاهرة هي من تقف ورائها وبل تبذل الجهود لانجاحه.
ويستكمل الدكتور عبدالشافي استاذ العلاقات الدولية بجامعة سكاريا التركية حديثه بالقول :هناك من ينظر للعلاقات بين مصر وتركيا علي أنها علاقات بين دولتين وبل يذهبون للقول بأنه لا فارق بين النظام والدولة وهذا غير صحيح خصوصا أن النظام السياسي هو أكد مكونات الدولة كأرض وشعب وسيادة واعتراف فيما يعتبر النظام الحالي في مصر انه لافارق بين النظام والدولة وان انتقاد المواطن للنظام يخرجه من دائرة المواطنة وهذا ما يجري في مصر منذ .2013
زيارة أردوغان للقاهرة والاعتراف المتأخر
ومن هنا والكلام مازال لعبدالشافي لا يمكن القول ان الزيارة تمثل نوعا من الاعتراف التركي المتأخر بالنظام المصرى باعتباره أمر واقعا قد جاء من طرف تركيا تحت وطأة المصالح الاستراتيجية العليا وهنا يطرح تساؤل نفسه ما هي المصالح الاستراتيجية التي يمكن أن تعود علي الدولة التركية من وراء التقارب مع النظام المصرى خصوصا أن الزيارة تمت علي اعلي المستويات السياسية .
وتطرق الدكتور عبدالشافي لعدد من الملفات التي تتعلق بعلاقات البلدين وأهمها محاولة السعي للجم تأثير الحالة الصراعية التي حكمت العلاقة بين البلدين طويلا وتحويلها لحالة تفاوضية خصوصا أن هناك ملفات شديدة الأهمية بين البلدين أهمها ملف شرق المتوسط ومساعي ترسيم الحدود البحرية بين البلدين
وكذلك الاتفاق علي مساحات المياه الاقتصادية بين الدولتين باعتبار أن هذه المنطقة من أغني مناطق العالم بالغاز الطبيعي وموارد الطاقة فيما تعد تركيا من أكثر المستودين في العالم للغاز بشكل يعد معه ترسيم الحدود شديد الأهمية لتركيا يسمح بالتنقيب المشترك عن هذه الثروات الضخمة.
وهنا يطرح عبدالشافي تساؤلا مفاده هل سيوافق النظام المصري علي ترسيم الحدود البحرية مع تركيا والإجابة بالطبع لا لأنه حتي وفي اوج قوة العلاقات المصرية التركية ،وخلال الزيار التي قام بها الرئيس الأسبق مبارك لتركيا عام 2009 لم تشهد توقيع هذا الاتفاق غم ان الزيارة شهدت اتفاقا علي توقيع اتفاقية التجارة الحرة وإنشاء منطقة صناعية تركية في مدينة 6أكتوبر بل علي العكس وبعد وقوع الانقلاب في 2013 تم ترسيم الحدود البحرية بين مصر وجنوب قبرص واليونان نكاية في تركيا في ظل رفضها للانقلاب العسكرى.
وعاد عبدالشافي للقول :هناك صعوبات حقيقية تعرقل ترسيم الحدود البحرية بل تصل لحد الاستحالة في ظل توجهات النظام المصري وتحالفاته فهو مرتبط بعلاقات وثيقة مع جنوب قبرص واليونان وإيطاليا وفرنسا وهي دول مناوئة لتركيا فضلا عن أن هناك أطرافا لا تريد أن تري تطورا في علاقات البلدين وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تعد أحد مصادر التوتر في المنطقة.
أما الملف الثاني المؤثر في علاقات البلدين فيتعلق طبقا عبدالشافى بأن البعض يري أن تركيا تريد زيادة نفوذها وتأثيرها في المنطقة رغم أن هذا التأثير يرتبط بالقدرة علي التأثير في الملفات المهمة وهي الملفات التي عدلت فيها تركيا سياساتها منذ يناير 2021حيث اتجهت لتصفير المشكلات واعادت الاعتبار لنهج وير الخارجية الأسبق أحمد داود أوغلو سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية والكيان وسوريا والعراق والصومال والسودان وعلاقاتها بدول الخليج .
وعاد استاذ العلاقات الدولية بجامعة صقاريا التركية للقول : الدور الإقليمي يرتبط بكيفية التأثير في ملفاته وهناك ملفات ترتبط ارتباطا مباشرا بالمصالح التركية والمصرية منها الوضع في السودان وليبيا والصومال وهنا نتساءل إلي أي مدي يستطيع البلدان التنسيق فيهما وهما لا يملكان التأثير الشديد فهما
ومضي للقول :ورغم أهمية القضية الفلسطينية للبلدين يبقيان غير قادرين علي التأثير في هذا الملف بوقف العدوان أو رفح الحصار وإدخال المساعدات مكتفين بتصريحات لا تغني ولا تسمن جوع حول رفض التهجير ووقف نزيف الدم وهي تصريحات لا قيمة لها من الناحية السياسية بل أن هناك ممارسات علي الأرض تناقض هذه التصريحات .
بل أن المواقف التركية بحسب عبدالشافي ومنذ طوفان الأقصى كانت شديدة الضعف وبدا هناك نوع من التخاذل رغم ان الفصائل الفلسطينية قد تحدثت عن أنه لن يكون هناك وقف لإطلاق النار الا بوجود ضمانات من مصر وقطر وتركيا والولايات المتحدة وروسيا الاتحادية علي أمل ان تتحرك مصر وتركيا بشكل إيجابي لوقف هذه الحرب رغم ادراك الجميع أن تحرك مصر وتركيا الفاعل في هذا الملف مرتبط بقبول وموافقة الولايات المتحدة لأنها ببساطة هي المحرك للحرب ضد المقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية.
أما الملف الذي يمكن أن يكون للتقارب المصري التركي دور إيجابي فيه وفقا لعبدلشافي فهو ملف ليبيا وهو أمر يصطدم بعدم تنازل تركيا عن نفوذها في هذا البلد المجاور لمصر وكذلك فإنها لن تتراجع عن اتفاق ترسيم الحدود البحرية الموقع بين البلدين عام 2019وخصوصا ا تركيا لم تعد تركز فقط علي الغرب الليبي بل غدت تتحرك في الشرق الليبي عبر إعادة تأهيل قنصليتها في بنغازي فضلا عن وصول وفود اقتصادية تركيا إلي هناك
ويستدرك قائلا :وهنا يمكن للبلدين ان يجنبا خلافاتهما ويسعيان لإيجاد حكومة موحدة تحكم كامل التراب الليبي ،وهنا يمكن للبلدين بذل جهود للوصول لحلول وسط وتقاسم كعكعة إعادة الإعمار، فضلا عن إمكانية قبول تلقي النظام المصري لمساعدات ومنح واستثمارات ليبية ضخمة تنقذه من الأزمة الاقتصادية .
ومع هذا يري عبدالشافي ان التنسيق المصري التركي لإعادة الاستقرار لليبيا ووجود حكومة موحدة يصطدم بوجود أطراف فاعلة في المشهد الليبي اقليميا ودوليا لها تأثير علي المشهد ومنها أطراف لا ترغب في رؤية رأية الاستقرار ترفرف فوق ليبيا .
وتطرق عبد الشافي الي احد الملفات المهمة في علاقات البلدين والذي يمكن أن يشهد اختراقا مهما فهو الملف الاقتصادي لان هذا الملف لم يتأثر كثيرا منذ العام 2013بل علي العكس حدث تطورا لافت فيه رفع التبادل التجاري من ملياري ونصف المليار دولار الي 7.7مليار دولار وهناك تطلع لرفع هذا التبادل لـ 20مليار دولار في ظل رؤية رجال الأعمال والمستثمرين الاتراك للسوق المصرية بأنه سوق كبيرة كما أن الاقتصاد المصري في وضع يسمح بقبول أية استثمارات .
وحول أهداف تركيا من الزيارة رأي عبدالشافي أن اردوغان عندما زار القاهرة اصطحب عددا من الوزراء في مقدمتهم، وزير الخارجية هاكان فيدان وهو كان رئيسا سابقا للمخابرات التركية ووزير الدفاع خصوصا أنه لا يمكن مناقشة ملفات عسكرية وإبرام اتفاقيات دون حضوره بالإضافة لوزراء التجارة والصناعة والصحة ووجودهم مهم خصوصا وزير المالية لبحث كيفية ترفيع التبادل التجاري .
مصر وتركيا والملف الليبي
ومن الملفات التي يمكن الحديث عن تداعيات إيجابية للتقارب بين مصر وتركيا عليه وهو الملف السوداني حيث يمكن للتقارب بين البلدين ان تكون له انعكاسات إيجابية علي الأوضاع هناك حيث يمكن أن يكون للنظامين ان يكون لهم دور مهم في هذا الملف باعتباره يشكل تهديد ااستراتيجيا للبلدين خصوصا الأمن القومي المصري وتهديد مصالح تركيا التي كانت قوية ابان عهد البشير حتي سقوط نظامه عام 2019.
حيث كانت تركيا قد اتفقت مع نظام البشير لتطوير ميناء سواكن في السودان إلا أن هذه الاتفاقية قد الغيت بعد الانقلاب فضلا عما تمثله ميليشيا الدعم السريع التي تهدف بدعم اماراتي لتفكيك المؤسسة العسكرية السودانية وان تكون الحرب ميليشسا ضدميليشيا
وليس أدل علي أهمية الدور المصري التركي في السودان بحسب عبدالشافي من اختيار قائد الجيش عبدالفتاح البرهان لزيارة القاهرة وانقرة في يناير ٢٠٢٣ في أي جولة خارجية له بعد الحرب وكان من المفترض بناء علي هذه الزيارة ان يقوم النظامان المصري التركي بتعزيز قدرات الجيش السودانى للقضاء علي هذا التمرد.
ولكن العكس هو ماجري كما يؤكد عبدالشافى حيث تمددت قوات الدعم السريع وضمت أراض بعداكثر من عام من الزيارة انطلاقا من أن الدعم المقدم لقوات حميدتي يصل بسرعة وقوة في حين أن الدعم المقدم الجيش السوداني يصل بوتيرة ضعيفة أو لايصل.
وهنا يمكن القول إذ امتلكت تركيا ومصر إرادة سياسية التدخل لدعم الجيش السوداني والتحول لدرع لحمايةالامن القومي والمصالح التركية ولعب دور في إعادة اعمار السودان فيشهد السودان تغييرات ملحوظة علي الأرض ولكن هنا يطرح تساؤل نفسه مفاده هل يسمح للبلدين للعب دور فاعل في السودان والإجابة هنا ان هذا يتوقف علي قدراتهما علي التنسيق المشترك وعلي تحييد الأطراف الاقليميةالداعمة لمليشيا الدعم السريع وهي دولةالامارات بحسب تصريحات رسمية سودانية بانها أي أبو ظبى الداعم الاول والمحرض لميليشيا حميدتي.
وهنا كما يقول عبدالشافي هل تملك تركيا التأثير علي الموقف الإماراتي خصوصا أن اردوغان كان قد زار الإمارات قبل وصوله القاهرة إذ أعلن خلال الزيارة عن إطلاق مشروع طريق الحرير الثاني الذي يبدا بالامارات ويصل العراق وتركيا بشكل سيعزز الاستثمارات الخليجية الإماراتية بتركيا فهل يمكن لتركيا في ظل هذه الوضعية ان تدخل في مواجهة مع الإمارات في السودان.
ونفس الأمر وفقا لعبدالشافي يتكرر مع مصر فهل يمتلك النظام المصري الذي يعد حكام أبوظبي الراعي والممول الرئيس لنظام السيسي مواجهة الإمارات في
السودان في وقت تستمر الإمارات في تفكيك مؤسسات السودان وتهديده امن واستقراره رغم أن مصر هي الخاسر الأكبر من هذه الممارسات.
وعاد عبدالشافي القول رفضي وتحفظي علي الزيارة يأتي من منطلق أخلاقي وقيمي فهناك انقلاب عسكري وقع في مصر منذ ٢٠١٣ورفع اردوغان السقف عاليا ضد هذا الانقلاب انطلاقا من أن تركيا عانت من الانقلابات لمدة ١٠٠عام وكانت اخر محاولة انقلابية في تركيا عام ٢٠١٦ وكان يقف وراءه النظام المصري والاماراتي والإدارة الأمريكية بحسب تصريحات رسمية تركية وبالتالي فالحديث عن العلاقات الدولية ليس له علاقة بالقيم والاخلاق بل ان الحديث ان كل نظام سياسي يسعي لتعزيز مصالحه.
وويستدرك الدكتور عبدالشافي قائلا :اذا كانت زيارة اردوغان للقاهرة وزيارة السيسي لتركيا -ان تمت- هل يمكن أن تحدث اختراقات حقيقية للملفات الاستراتيجية بين البلدين والنظامين بالقول الملف الوحيد القابل للاختراق هو ملف التعاون الاقتصادى وكذلك الملف الليبي لان كليهما يطمع في الحصول علي حصص قيمة من عملية إعادة الإعمار.
ولفت إلي التحدي الاكبر الذي يواجه محاولات تطوير علاقاتهما هو وجود طرف ثالث يرغب في استمرار التوتر وهو دور تلعب فيه الإمارات الجزء الأكبر فهل يستطيع البلدان لجم الدور المخرب للإمارات في جميع ملفات الشرق الأوسط لاسيما أنها أي أبوظبي تبدو حاضرة في ملف شرق المتوسط عن طريق منتدي الغاز وحاضرة في ملف النيل عن طريق إثيوبيا وموجودة في القضية الفلسطينية عبر الكيان الصهيوني وموجودة في الساحل الإفريقي عن طريق دعم الانقلابات العسكرية عبر فاجنربشكل يجعل مهمة البلدين في تجاوز هذا الدور صعبة .