الأمة الثقافية

“روافد الإيقاع الدّاخلي في السرديّات الشعريّة”.. قراءة شعرية جديدة 

 

 

ينشغل كتاب “روافد الإيقاع الدّاخلي في السرديّات الشعريّة: (شجرة الكون) أنموجاً للشاعر جميل أبو صبيح”، للدكتور صالح الخزاعلة، على تحديد مفهوم الإيقاع الدّاخلي، والبحث في أهم روافده التي تشكل إيقاعات القصيدة العربيّة المعاصرة، لا سيّما قصيدة النثر أو السرديات الشّعريّة التي تناولها الباحث بالدراسة هنا.

ويتضمن الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في الأردن (2025)، جزأين؛ الأول تناول “الإيقاع وروافده الداخلية في الشعر”، وفيه قدم الباحث الخزاعلة تعريفاً لمفهوم الإيقاع وتأصيله، وبحث في الإيقاع لغة واصطلاحاً عربياً وغربياً. أما الجزء الثاني فتناول “روافد الإيقاع الداخلي في سردية (شجرة الكون)”، ملقياً الضوء على مفهوم الإيقاع الداخلي، ومطبقاً ذلك على سردية “شجرة الكون” مبرزاً أهم روافد الإيقاع الداخلي فيها.

ويشير الباحث الخزاعلة إلى أن القصيدة العربيّة الحديثة تمتاز بوجود إيقاع داخلي أو ما يطلق عليها النقاد الموسيقى الدّاخلية في القصيدة، حيث تكوّن بعيدًا عن تفعيلات الإيقاع الخارجي المتعارف عليها عند النقاد والباحثين العرب، كما يتعرض الكتاب لدور الراوي (المايسترو) في التحكم بالإيقاعات الدّاخلية في هذه القصائد، موضحاً أن أهم الروافد التي يتشكل منها إيقاع القصائد يتمحور في: التكرار بتنوعه، تكرار الأسماء والأفعال، والجمل والعبارات، والحروف، وفي العناصر السرديّة، وأهمها الراوي الذي عكس شخصية الشّاعر، فكان ضابطًا لجميع إيقاعات القصيدة ومحركًا بها صعودًا ونزولًا من خلال سرد الأحداث والأفعال وتآلف الجمل والكلمات في نسق شعري معبر، وكذلك من خلال الصور الشّعريّة على تنوعها، حيث لعبت الصورة الشّعريّة دورًا في تشكيل الإيقاعات الدّاخلية وذلك من خلال اتكاء الشّاعر على مبدأ ثنائية الصورة الشّعريّة المنسجمة مع الواقع والمتناقضة معه، حيث شكّل نظام التبادل الصوري إيقاعًا تصاعديًا متوترًا عبر عن انفعالات الشّاعر وعواطفه بنمط موسيقي يتفاعل معه المتلقي.

وطبّق الباحث د.صالح الخزاعلة هذه الروافد على السرديّة الشّعريّة “شجرة الكون” للشاعر الأردني جميل أبو صبيح، وعالج دورها في نمو الإيقاع الدّاخلي للقصيدة، والكشف عن آليات اشتغالها بنظام تراتبي تفاعلي.

وقدم للكتاب د.ناصر شبانة الذي أكد على أن تجربة الشاعر جميل أبو صبيح الشعرية تستحق المزيد من التأمل والنظر من قبل النقاد والدراسين، ذلك لأنه “شاعر مختلف ركب مركب قصيدة النثر الصعب من غير عجز عن كتابة شعر التفعيلة أو شعر الشطرين، فقد جرب سائر أشكال القصيدة العربية، غير أنه تحول إلى قصيدة النثر مستثمرًا خبرته وتجربته في بناء مدماكها العويص، ونجح في ذلك، فقد استطاع أن أبو صبيح أن يخلق الإيقاع البديل (أيقاع النص)، بمعزل عن تفاعيل الخليل بن أحمد”، وأوضح شبانه في تقديمه إلى أن أبو صبيح تمكن من توفير الموسيقى البديلة لنصه الشعري دون أن يلجأ إلى الوصفة الجاهزة التي يلجأ إليها معظم الشعراء في البناء على الأوزان الجاهزة، والقوالب الخليلية التي يمكن لأي شاعر أن يقوم بملئها بما شاء من الكلام.

وأكد شبانه: “لقد شاء أبو صبيح أن يرفع سقف القصيدة على أعمدة غير مرئية، فبات نصه الشعري معلقًا على أعمدة لا نراها من الإيقاع الخفي الفاعل المتمكن من حمل وزن القصيدة الثقيل دون الاستعانة برافعات الموسيقى الجاهزة من بحور خليلية وقواف مكرورة، وهو ما يثير الإعجاب في تجربته الشعرية، فراحت عباراته وكلماته تسبح في فضاء من الإيقاع الشفيف الذي ينساب عبر مسامات النصوص، ليغدو ملتحمًا بالنص، وجزءًا لا يتجزأ منه، ولم يعد يشبه تلك البناءات الإيقاعية المعزولة عن النص، والتي تبدو كحالة من العزف الخارجي الذي يطفو على ماء النص، أو ينساب في حواشيه وهوامشه”.

وبين د.ناصر شبانة أن الباحث الخزاعلة في هذا الكتاب حفر عميقًا في سرديات أبو صبيح المضيئة، فكان باحثنا ذا لفتات نقدية جريئة، وإضاءات عميقة جلّت التجربة الشعرية، وحلقت في آفاقها، فاستحقت بحماسة الشاعر وهمة المؤلف أن تكون كتابًا نقديًا يبعث على المزيد من الالتفات لهذه التجربة الشعرية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى