مصطفى عبد السلام يكتب: أمريكا المنبوذة في عهد ترامب

أمريكا باتت دولة منبوذة ومصدر قلق وتوتر للعديد من السياح والمستثمرين الأجانب حول العالم،
وفي الفترة الأخيرة زادت مشاعر النفور والكراهية لدى هؤلاء تجاه الولايات المتحدة التي أصبحت حكومتها أكثر عنصرية وأشد استقطاباً وحدة في التعامل مع الآخر وأقل ديموقراطية وحرية للإنسان،
وهو ما دفع عشرات الدول، ومنها دول أوروبية كبرى، لتحذير مواطنيها من السفر إليها تفادياً للتعرض لمخاطر شديدة قد تصل إلى حد الاعتقال.
أسباب تنامي تلك المشاعر السلبية تجاه أمريكا كثيرة، من أبرزها تشديد سياسة الهجرة والدخول للأراضي الأمريكية من قبل إدارة دونالد ترامب، والاستجواب العدواني في المنافذ، وتوسيع عمليات الترحيل الانتقائية والاعتقال العشوائية، وتزايد حالات احتجاز المسافرين لأسابيع عند نقاط الحدود الأمريكية وفي مراكز وظروف سيئة، كما حدث مؤخراً مع سيدة ألمانية، ورفض السلطات دخول مسافرين يحملون التأشيرة.
منسوب المخاطر التي زوار أمريكا
وهذه الأسباب وغيرها رفعت منسوب المخاطر التي يتعرّض لها الزوّار الأجانب في المطارات والمنافذ الأمريكية، إضافة إلى أسباب أخرى،
منها الاضطرابات العنيفة التي تسببها سياسات ترامب الاقتصادية والتجارية، إذ إن مخاطر الحروب التجارية التي يشنّها ترامب في كل اتجاه وعلى كل شركائه التجاريين،
ومخاوف دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود وتضخم وغلاء حاد في الأسعار وتكاليف المعيشة كما جرى في فترة كورونا وما بعد حرب أوكرانيا تقلق السياح والمستثمرين الأجانب،
كما أن قوة الدولار وزيادة قيمته مقابل العملات الأخرى بسبب السياسات الحمائية الأمريكية تجعلان الولايات المتحدة أكثر كلفة للسياح الأجانب، ما يقلل من عدد الزوار وفترات الإقامة.
هذه الحالة دفعت الكثير من المؤسسات المتخصصة إلى رسم توقعات متشائمة لقطاعي السياحة والاستثمارات في الولايات المتحدة خلال ما تبقى من فترة حكم ترامب،
فوفق أحدث الأرقام فإن قطاع السياحة الأميركي قد يخسر نحو 64 مليار دولار من الإيرادات في العام الحالي بسبب انخفاض أنشطة السفر الدولي والمحلي،
بحسب تقرير حديث صادر عن نشرة “اقتصاديات السياحة” الدولية التابعة لمؤسسة “أكسفورد إيكونوميكس”.
انخفاض عدد الأجانب الوافدين إلى أمريكا
ومن المتوقع أن ينخفض عدد الأجانب الوافدين إلى أمريكا بنسبة 5.1% في عام 2025 مقارنةً بالعام الماضي، مقابل زيادة متوقعة سابقاً بنسبة 8.8%، ومن المتوقع أن يتراجع إنفاق هؤلاء بنسبة 10.9%.
ومن بين سكان 16 دولة أوروبية وآسيوية شملهم استطلاع أجرته شركة “يوجوف” جرى في ديسمبر الماضي، قال 35% من المشاركين إنهم أقل ميولاً للقدوم إلى الولايات المتحدة في عهد ترامب، مقابل 22% عبّروا عن رأي مغاير.
وهذه النسبة قد تزيد كثيراً في حال إجراء الاستطلاع حالياً، خاصة مع تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن والاتحاد الأوروبي والقلاقل المتوقعة من تطبيق ترامب وعده بتنفيذ “أكبر عملية ترحيل” في تاريخ الولايات المتحدة،
واستهداف جميع المهاجرين الذين دخلوا البلاد من دون تصريح قانوني، وليس فقط مرتكبي الجرائم الخطيرة، وهو ما يعني ترحيل نحو 12 مليون شخص، معظمهم مقيمون منذ أكثر من عقد.
ووفق استطلاعات الرأي الأخيرة فإن السياح القادمين من أوروبا الغربية، والذين شكّلوا 37% من زوار الولايات المتحدة في 2024، والبالغ عددهم نحو 77 مليون سائح، يعدّون الأكثر ميلاً لاختيار وجهات أخرى غير أمريكا إلى جانب الكنديين والمكسيكيين.
خسائر متوقعة في قطاع السياحة الأمريكي
هذه الخسائر المتوقعة في قطاع السياحة الأميركي تترجمها مؤشرات عدة حالية، منها بدء عزوف الكنديين عن السفر إلى أمريكا بسبب التوترات السياسية،
إذ بات هؤلاء يفضلون قضاء إجازاتهم في وجهات أخرى، بعيداً عن كازينوهات لاس فيغاس ومتاحف نيويورك وحدائق لوس إنجليس،
وتزايد تحذيرات دول مواطنيها من السفر إلى الولايات المتحدة، فالحكومة البريطانية والألمانية دعت مواطنيها إلى توخي الحذر الشديد عند السفر للولايات المتحدة،
خاصة ما يتعلق بوثائق السفر، في ظل احتمالية مخاطر التوقيف وربما الترحيل.
وكشف تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست أن عدة دول، بينها كندا وألمانيا والدنمارك وفنلندا،
حدثت تحذيراتها لمواطنيها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة، عقب انتشار تقارير صحافية تتحدّث عن عمليات احتجاز وترحيل مواطنين من كندا ودول أوروبية، وسط تزايد تشويه صورة الولايات المتحدة في الخارج.
انخفاض كبير في السفر من كندا إلى أمريكا
ومع تصاعد الحرب التجارية بين واشنطن وأوتاوا رصدت شركات عالمية، منها يونايتد إيرلاينز، حدوث انخفاض كبير في أنشطة السفر من كندا إلى الولايات المتحدة، بعد أن هدّد ترامب مرّات عدّة بضم كندا إلى بلاده، وانطلاق حملات مقاطعة كندية واسعة لكل ما هو أميركي، سواء سلع أو سياحة أو حتى دراما.
وحتى مع رهان الإدارة الأمريكية على دور أحداث رياضية كبرى تستضيفها الولايات المتحدة،
مثل كأس رايدر 2025، وكأس العالم لكرة القدم 2026، ودورة الألعاب الأولمبية الصيفية 2026، في تنشيط قطاع السياحة وتعويض أي خسائر متوقعة،
فإن قطاع السياحة الأميركي يخشى الدخول في حال ركود، مع تنامي وتيرة الخطوات الخشنة التي تطبقها إدارة ترامب بحق المسافرين الأجانب،
وتشديد سياسة الهجرة، واللجوء إلى قانون من القرن الـ18 لتبرير احتجاز مهاجرين أجانب،
وبحث فرض حظر سفر من قبل إدارة ترامب من شأنه أن يعرقل سفر مواطني أكثر من 43 دولة للولايات المتحدة منها سورية وليبيا واليمن والصومال وفنزويلا وإيران.
دول تحذر مواطنيها من السفر إلى أمريكا
كشف تقرير حديث لصحيفة واشنطن بوست أن عدة دول، بينها كندا وألمانيا والدنمارك وفنلندا، حدثت تحذيراتها لمواطنيها بشأن السفر إلى الولايات المتحدة
ومع تزايد عدد الدول التي تحذر مواطنيها من السفر لأمريكا، قد نشهد تنامي المشاعر السلبية ليس فقط تجاه قطاع السياحة الأميركي الذي يعد واحداً من أبرز إيرادات النقد الأجنبي،
بل ضد الصورة الذهنية للولايات المتحدة والتي سعت إلى ترسيخها طوال قرون وهي أنها واحة الأمن والديموقراطية والعدالة وتطبيق القانون واحترام حقوق الإنسان والرأي والتعبير،
إذ إن تلك المبادئ الإنسانية دهست تحت أقدام إدارة ترامب التي تمارس أسوأ أنواع العنصرية والكراهية ضد شعوب ودول العالم،
وتدعم أسوأ حرب إبادة جماعية في التاريخ الحديث ضد أهالي غزة، وتسعى بكل قوتها إلى السطو على ثروات العالم ومقدرات الشعوب،
سواء من المعادن النفيسة والنادرة في أوكرانيا، أو مناجم الذهب واليورانيوم والحديد والنحاس في أفريقيا والدول الفقيرة، أو النفط والغاز في العديد من دول العالم.