مقالات

د. محمد عياش الكبيسي يكتب: الشكر بمعناه السياسي

تتصرف الدول وتتخذ مواقفها بناء على تقديرها لمصالحها المختلفة ووفق دراسات واستراتيجيات مسبقة

هذا هو منطق الدولة الحديثة، فلا توجد اليوم دولة فيها مقومات الدولة الحديثة تضحي بمصالحها واستقرارها من أجل الآخرين، ولا من أجل شكر شاكر أو انتقاد ناقد.

نعم لنا أن ننتقد تقديرات بعض الدول لمصالحها وقدرتها على تحقيق هذه المصالح، وربما محاولة إقناعها بأن مصالحها قد تلتقي مع مصالحنا، أما حينما نظن أن هذه الدول تنتظر شكرنا أو تحسب حسابا لعواطفنا فنحن واهمون.

انظروا مثلا إلى موقف جنوب أفريقيا اليوم وكيف قد أعدّت خطة محكمة لإدانة الإبادة البشرية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين، هل كانوا مثلا ينتظرون شكرنا وأنا إذا قصرنا في ذلك فإنهم سيتراجعون؟

مع أن شكرهم ليس فيه غضاضة فجنوب إفريقيا لا تحتل أرضنا ولا تهدد عقيدتنا، لكن الاكتفاء بالشكر والإشادة دون الوعي بأسباب هذا الموقف وما يمكن أن ينبني عليه يمثل حالة من السطحية في التعامل مع هذه الملفات والتي قد تصدمنا في حالات وأحداث أخرى، ولذلك رأيت تساؤلات منطقية من قبل بعض إخواننا منها: إذا كان هذا الموقف إنسانيا وأخلاقيا فأين هو من البراميل والأسلحة الكيمياوية التي دمّرت سوريا وقتلت أطفالها وشردت الملايين من أهلها؟

ومن المؤسف جدا أن أقرأ رسالة لأحد المشايخ الفضلاء يوجهها للرئيس الروسي يشيد فيها ب «موقفه المشرف» من ‎فلسطين ويطلب منه العمل على ترسيخ القيم الأخلاقية في العالم.

إن موقف بوتين من فلسطين وربطه أمس بين مشكلة ‎الحوثي في باب المندب وبين ما يجري في ‎غزة موقف متوقع بل أقل مما هو متوقع بالنسبة لورطته الكبرى في ‎أوكرانيا وإمكانية الاستفادة مما يجري في غزة لتحقيق نوع من الرد على التحالف الغربي ضده.

ولذلك فشكر هذا الشيخ له وإشادته بموقفه لا يقدم ولا يؤخر، لكنه يضرنا نحن المسلمين ويثير الاحتقانات بين قضايانا الساخنة في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة لتوحيد القلوب وتنسيق الجهود.

وبصورة متقاربة يمكن فهم استراتيجية ‎إيران في تحربك أذرعها المختلفة لفرض هيمنتها في المنطقة وتحقيق قدر من الضغط والمشاغلة خاصة فيما يتعلق بملفها النووي، ولأن هذه الأذرع تعمل خارج حدود الدولة الإيرانية فهي تحتاج إلى حاضنة مريحة ومن هنا كانت الحاجة إلى تبني قضية القدس، فالق-دس هنا تمثل غطاء شرعيا ضروريا لتحركات هذه الأذرع في بلادنا.

ومن ثم تدرك ضحالة من يفكر بأن الفلس-طينيين إذا قصروا قليلا في شكر ‎إيران وتلميعها فإن هذا سيغيّر من الموقف الإيراني، أو أننا إذا زدنا من المديح والتلميع فإن إيران ستزيد وستنتقل من استراتيجية «قواعد الاشتباك المنضبطة» إلى إستراتيجية «الحرب الشاملة والمفتوحة»

ومن هنا ترى كثيرا المشايخ الأعزاء يتناقشون في باب الضرورات ويتوسعون فيه لإيجاد المخارج الشرعية لهذه الإشادات والتزكيات رغم أن إيران قد دمرت نصف الأمة العربية وتعمل على تدمير النصف الثاني.

ولا حول ولا قوة إلا بالله.

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية إسلامي، دكتوراه في الفقه الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights