بيان لدار الإفتاء الليبية بشأن انتصار ثورة سوريا وصداه على الثورات المنتكسة
بارك مجلس البحوث والدراسات الشرعية بدار الإفتاء الليبية نجاح الثورة السورية مجددا التهنئة للشعب السوري الشقيق بنجاح ثورته في الإطاحة بحكم الطواغيت.
وإلى نص البيان :” الحمدُ لله ناصرِ المظلومين، وقاهرِ الظلمةِ والمستكبرين، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله؛ إمامِ العدلِ، ورسول الحقّ، وعلى آلهِ وصحبه أجمعين؛ أمّا بعدُ:
فإنَّ مجلسَ البحوثِ والدراساتِ الشرعيةِ بدار الإفتاء الليبية، وهو يجددُ التهنئةَ للشعبِ السوريّ بانتصارِ ثورته، وانهيارِ حكمِ الطواغيتِ؛ لَيُؤكّدُ على ما يلي:
أوّلًا: الْمَصِيرُ الذي انتهى إليه الظلمةُ حكامُ سوريا هوَ مصيرٌ إلهيٌّ، توعّدَ الله به كلَّ ظالم، فإنَّ إهلاكَ الظالمينَ وإنْ تأخرَ -تمحيصًا وابتلاءً- ليعْلمَ اللهُ الذينَ صَدقُوا ويعلمَ الكاذبينَ، فإنّه واقعٌ بهم، لا يخطِئهُم ولا يتَخلَّف، قال النبي ﷺ: (إِنَّ اللهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ)، ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} “هود: 102″ [صحيح البخاري].
ثانيًا: المراحِلُ التي مَرَّتْ بها الثورةُ السُّوريّة منذ انطلاقِها 2011 وإلى انتصارِها 2024؛ تَحملُ دروسًا وعبرًا، خلاصتُها أنّ أخطرَ ما يُخافُ عليه مِن انتصار الثوراتِ تعدُّدُ الرؤُوس، فهو الذريعةُ للتدخلِ الأجنبيّ، وشراء الذمَم، ممّا يؤدّي إلى التنازعِ والفشلِ، قال الله تعالى: {وَلَا تنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}”الأنفال:46″، فالحذرَ الحذرَ مِن السماحِ بالمُنازع لمَن مَلك.
ثالثًا: يُوصِي المجلسُ ثُوَّارَ سُورِيَا أن يستفيدُوا ممّا حلّ بالثورات في البلادِ الأخرَى، مِنَ التّآمُر عليها،
مما يُسمَّى المجتمعَ الدوليّ وعملائِهم من بَني جلدَتهم، ويحذَرُوا مِن مكائدِهم القائمة، واستعمال أموالِهم الفاسدة في إشعالِ الحروب، وتجنيدِ المرتزقةِ المحليينَ والدوليين، ليسَ فقط في ميادينِ القتالِ بل في السياسةِ والإعلامِ.
رابعًا: الوُقُوف في وجهِ الظلَمة وأكابر المجرمينَ المتحكّمينَ في الشعوبِ، هو مِن ثوابتِ شريعةِ الإسلام؛ القائمةِ على العدلِ، والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكر، فلَا يحلُّ السُّكوتُ عن الظلم، ولا الاستسلام للطغاة،بل الواجبُ الأخذُ على أيدِيهم للتخلصِ مِن إجرامِهم، وقطعِ دابرِ فواحشِهم وآثامِهم،قال النبي ﷺ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَاب) [سُنَن أبي داود والترمذي].
فمَن اشتهرَ بالإجرامِ لا يكفّه عن إجرامِه إلّا مقارعتُه بسلاحِهِ، فتلكَ هي السنّةُ التي أمرَ اللهُ تعالى بها في مدافعةِ الظالمين، حتّى لا تفسُدَ الأرضُ بهم، قال الله تعالى: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بعضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}”الحج: 40”.
وليعْلَم مَن يسعَى إلى الإصلاحِ أنّ دعواتِ المصالحة مع القتَلَة المجرمِينَ، الذين تربَّعوا على العروشِ مِن جديدٍ بالظلمِ والقهرِ؛ لا تَزِيدُهم إلا طُغيانًا، ولا المظلومَ إلّا هَوَانًا، وأنّ بذلَ الجهدِ وإعدادَ العدةِ لردْعهم هو سبيلُ النصرِ، الذي به يتمّ استردادُ الْمَظَالِم، والانتصافُ مِن الظالمين.
خامسًا: إنَّ ما تحققَ من الانتصارِ الباهر للثورةِ السوريةِ على أعتَى نظامٍ وأفجره، بعد يأسٍ طويلٍ؛ لَيبعَثُ الهمّةَ في الكتائبِ والفصائلِ المسلحةِ في بلادنا، وفي البلاد الأخرَى التي أُجهضتْ فيها الثوراتُ، وسُرقتْ مكتسباتُها، والتي بذلتْ فيها الدماءُ والأرواحُ بالآلاف، فالثوارُ في بلادنا وفي غيرها مِن البلادِ،التي انقلبت عليها الأنظمة المخلوعة؛ ليسُوا أقلَّ عددًا ولا عُدةً من إخوانهم في سوريا، ولا أقلَّ تطلعًا إلى الحريةِ واستردادِ كرامةِ بلادهم، التي دنَّسها الانقلابيونَ، ومكَّنوا فيها للغزاةِ المحتلينَ والمجرمينَ الهاربينَ مِن العدالة في بلادِهم، فلا يليقُ بجهادهم الذي قدمُوه أيامَ الثوراتِ أن ينشغلُوا عنه بالتنافسِ على الدنيا، والانشغالِ بالصفقات.
عليهم أن يتجِهوا إلى التدريبِ والتنظيمِ لاستردادِ كرامتهم، ولا يستكينُوا ويهادِنُوا مَن سرقَ ثوراتهم، وذلك ليكونُوا هم الحكامَ المالكين، لا المحكومينَ المتسوِّلين، عليهم أن ترتفعَ همتُهم ليحكموا البلادَ بالحقّ والعدلِ الذي قامُوا من أجلهِ أولَ مرة، كما حكمَ إخوانهم اليومَ في سوريا.
وفي الختام؛ نسأل الله تعالى أن يَمُنّ بالنصرِ والتمكينِ لِطَرَف الشام الآخَر؛ غَزّة الأَبِيّة؛ إنه على كلِّ شيءٍ قدير، وصلَّى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم.