د. أديب الصانع يكتب: ظبينا خاف سواد الكعبة فرماه صائد في الثغرة

هذا من روائع إقبال يصف فيه ظبيا كان في مأمن من الصيد لمجاورته الكعبة ثم خرج إلى الحل هاربا من سواد الكعبة فتلقاه صائد متحفز فقتله
كل إنسان يترك بيئات الخير سيصيبه مثل ما أصاب هذا الظبي، فالقلب خلق للنور ونوره حين يشخص لمولاه، وتذكر القلب لمولاه لا يستمر إلا في بيئات الذاكرين.
فإذا غفل عن ربه بدأت الظلمات تغشاه ومع الظلمات تتحرك الشهوات فهي كالخفافيش لا تقوى على النور.
حركة الشهوات داخل الصدر ونداءاتها المتكررة للإنسان تطوع له الذنب «فطوعت له نفسه»، وتبدأ رحلة اتباع الهوى وإيثاره على أمر المولى سبحانه.
يمرض القلب لكثرة المخالفة والعصيان ويصير حاله كالمريض لا يرغب بالحركة فيما ينفعه من طاعات وكما أن المريض يفقد شهيته للطعام فهذا يفقد شهيته للقرآن والمكوث في بيوت الرحمن وهكذا تراه ملولا من كل أمر فيه ذكر لله أو تذكير بما عند الله.
والمرض يضعف الإنسان فإن تداركه بالعلاج شفي وإلا أوصله للهلاك، والقلب كما أخبرنا ربنا يموت وموته بأن لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا قد فقد إحساسه بكل شيء وصار أمره فرطا ونعوذ بالله من الخذلان.
وانظر لهذا المعنى بتعبير محكم موجز واف في قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ} يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ {تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} وَلَا تُطِعْ {مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا} {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} {وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً}.
والسؤال كيف يصل المرء منا للأمر الفرط ومع هذا يبقى بلا حراك نحو التغيير؟ والجواب إنه التسويغ أو التبرير باللغة المعاصرة، قد يصل لترك الفرائض ومع هذا يسلي نفسه ويعزيها بالمراحل الانتقالية وبتغير الأفق وبتطور الفكر، بوطأة الزمان وظروف الحياة، بالمقايسة مع طاعاته الجديدة، بنية التوبة وبتخليص النفس من معاصي النزاع وهيهات.
يا ظبينا الكريم لا تهرب من الحرم خوفا من سواد العلاقات فإن كان ولا بد فانتقل لحرم جديد وإياك من تسويغات النفس وطاعة الغافلين.
والله أعلم