1- ما رأيتُ مثل سيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه في تثبيت أصحابه، وتذكيرهم بعواقب الأمور ومصائر الأشياء ومنتهى التدبير فيها.
2- لم يجمّل لنا رسولُ الله الطريقَ، ولم يورِّد لنا السبيلَ إلى ما دعا إليه، وأخبرَنا أن نفراً من المؤمنين شُقّت أجسادهم إلى نصفين ثمناً لِما آمنوا به، كما تفعل بنا صواريخ العدوّ وقذائفه المجنونة، وأخبرنا أن الأوغاد من القتلة كانوا يأتون بأمشاط الحديد فيفصلون اللحم عن العظم والعصب، يمشطون اللحم كما يمشط الشعر من شدّة توحّشهم حتى يصبح أحدهم كالشاة المسلوخة المقصّبة التي نُزع لحمها عن عظمها ليصرفوا المؤمنين عن إيمانهم، فما يصرفهم ذلك عن دينهم وقضيّتهم التي آمنوا بها.
3- والعجيب أن رسول الله يحذّرنا من أمر نستثقله غاية الاستثقال من وطأة ما يصيبنا، ولكنه من حقائق الواقع التي يجب أن نتعامل معها، إذ يحذرنا من الاستعجال بضغط من الكوارث والأهوال، وذلك أن أقدار الله سبحانه تجري وفق تقدير عظيم لا نستوعبه، وهي ستمضي: رضينا أم سخطنا.
4- وكأنّي بسيدي رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه يقول لكم يا أهل غزة اليوم كما قال لأصحابه: «أيّها النّاس، اتقوا الله واصبروا، فواللهِ إنْ كان الرجل من المؤمنين قبلَكم لَيُوضعُ المنشارُ على رأسه فيُشقّ باثنتين، وما يرتدّ عن دينه، اتقوا الله، فإن اللهَ فاتحٌ لكم وصانعٌ».
5- وكأنّي به أيضاً يبيّن لكم اليوم كيف ثبت المؤمنون قبلكم، واحتملوا العذاب العظيم، بمثل ما أصابكم من هول، وكيف تمّ لهم الأمر رغم كل ذلك، يقول لكم: «قد كان مَن قبلَكم يُؤخَذ الرجلُ فيُحفَرُ له فى الأرض، ثم يؤتَى بالمنشار، فيُجعل على رأسه، فيُجعل فِرقتين ما يَصرفه ذلك عن دينه، ويُمشَط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعَصَبٍ، ما يصرفه ذلك عن دينه، واللهِ ليُتِمَنّ اللهُ هذا الأمر حتى يسير الراكبُ ما بين صنعاء وحضرموت ما يخاف إلا الله تعالى والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون».
6- ولو تعلمون أنّكم بلَغتم في الإيمان مبلغاً عظيماً بكل هذا الهول الذي مسّكم لهان عليكم ما أنتم فيه، وأدركتم أن أمشاط الدبابات، وأسنان الصواريخ، ومناشر القذائف التي تعمل في عظامكم ولحمكم الحيّ إنّما هي من روافع الدنيا والآخرة لكم، وأن أرواحكم الحديدية ستسلب شدّة الحديد وبأسه، وسيقيكم الله سيئات ما مكروا، وسيحيق بهؤلاء الـأوغاد سوء العذاب.
7- (فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون) ؛ (فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم)، ولا تنسوا وعدَ رسول الله لكم: إن الله فاتحٌ لكم وصانعٌ، فلا تستعجلوا، وندعو الله أن يخفف عنا، ويلطف بنا، ويكشف البأساء والضراء.