أقلام حرة

د. أسامة الأشقر يكتب: الفرقان والطوفان

بعد يوم بدر الذي سمّاه الله تعالى يوم الفرقان، والذي كان تغييراً كبيراً في السياق الاستراتيجي غير المخطّط له مباشرة” وتودّون أن غير ذات الشوكة تكون لكم”، وكان تاريخاً فاصلاً يخرج الفعل النبوي من سياق الضعف والاستضعاف إلى سياق القوة والحضور والفاعلية -اشتدّت على رسول الله المؤامرات بعد أن ظهرت قوّته، وفي دراسة موسّعة أجريتها عن تداعيات فرقان بدر وجدت أن التحديات والمهددات والمخاطر المبنيّة على تحالفات خطيرة من كل اتجاه قد زادت، حتى إن رسول الله لم يكد يمضي عليه يوم إلا كان في غزوة هو فيها أو سرية يبعثها، أو يخطط للغزوات والسرايا والعمليات، ويناور بين الدفاع والهجوم وبناء التحالفات الصديقة وتفكيك التحالفات المعادية، وظل كذلك لمدة ثلاث سنوات شديدة متلاحقة أسمّيها تداعيات الفرقان.

فإذا كان الطوفان قد فتح لأهل الثغر فرصة في تغيير البيئة الاستراتيجية وتأسيس مسار جديد فإن هذا لا يعني سهولة الخطوات التالية بل يعني أن الحفر في المسار الجديد سيكون أعقد وأشد وأخطر، وأن ذلك يستلزم مستوى أعلى من التخطيط والعمل والجاهزية، كما يستلزم قوة البناء الداخلي واستعادة التماسك التنظيمي وتوسيع مواعين التحالفات الداخلية والخارجية، واجتراح أساليب عمل جديدة جريئة.

وعلى قيادة ما بعد الطوفان أن تدرس هذه المرحلة الجديدة بعمق، وأن تدخل بعقل مفتوح لتغيير المسارات السابقة وسياساتها، وأن تلقي وراءها الكثير من القناعات، وتفتح أذنها للأفكار الجديدة والمستبعَدة سابقاً دون اعتراضٍ متأسّسٍ على قناعاتها الأولى؛ وهذا يتطلّب – فوق التجديد الفكري- الانفتاحَ السريع على قيادات شابّة جديدة نالت خبرة كافية من التجربة والتأهيل، ولم تكن جزءاً من الاستقطابات الحرجة غير المنطقية.

ودمتم جميعاً في توفيق وسداد وبركة

د. أسامة الأشقر

مؤرخ وروائي فلسطيني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights