د. إبراهيم التركاوي يكتب: أُمَّة لا تعرف اليأس ولا الانكسار
إنَّ الشدائد العظام مهما اشتدت، لا يجوز أن تنال من عزيمة هذه الأمَّة، ولا أن يتسرب إليها اليأس، بسبب ما يحيط بها من حروب وحشيَّة ومحنٍ قاسية.
ففي معركة أحد، نال المشركون من المسلمين، وقتلوا منهم سبعين صحابيًّا، وبلغ الأمر شدَّته حتى قال ابن اسحاق:
(وانكشف المسلمون، فأصاب فيهم العدو، وكان يوم بلاء وتمحيص، أكرم الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة، حتى خلص العدو إلى رسول الله ﷺ،
فدث بالحجارة حتى وقع لشقه، فأصيبت رباعيته، وشجَّ وجهه، فجعل الدم يسيل على وجهه، وجعل يمسح الدم وهو يقول:
كيف يفلح قوم خضَّبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم؟!).
روح يسري في كيان هذه الأمة
ولقد تأثر المسلمون بما حدث، وكاد أن يستولي على نفوسهم اليأس، فأنزل الله عزَّ وجلَّ قرآنا، يواسي فيه المؤمنين، ويخفّف عنهم ما نزل بهم،
ويطلب منهم ألَّا يستسلموا للوهن والحزن؛ فهم الأعلى فكرًا ومنهجًا، وهم الأعلى إيمانًا وخلقًا،
كما جاء في قوله تعالى:
{وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كنتُم مؤْمِنِينَ} [آل عمران:139].
إن هذه الآية الكريمة أصبحت روحًا يسري في كيان هذه الأمة،
ومن ثمَّ أعادت الاعتبار لاستعلاء الإيمان الذي استطاعت به الأمة -عبر تاريخها- أن تتجاوز المحن الكبرى، والشدائد القاسية،
فما وهنت لما أصابها في سبيل الله، وما ضعفت، وما استكانت، وما عرفت اليأس يومًا، ولا الانكسار، مهما أحيط بها من الشدائد، بل كانت أعلى ما تكون هِمَّة، وأقوى ما تكون إيمانًا..
ولا تزال الأمة بخير ما استعلت بإيمانها، واعتزت بقيمها، وأخذت بأسباب عصرها، وجدَّدت روحها بالنماذج المُلهمة، التي تجسِّد القيم، وتثير الاقتداء!
لقد وقف عمر المختار -ومعه قِلَّة مؤمنة- يحارب -بما استطاع من قوة- الاستعمار الإيطالي المجهَّز بأحدث أسلحة عصره،
واستطاع أن ينزل بأعدائه ضربات موجعة، ولم يرض بالتسليم ولا الانكسار رغم نفاد ما معه من قوة مادية،
ولكنه ظلَّ يقول للطليان: لئن كسر المدفع سيفي، فلن يكسر الباطل حقي!
في هذه الظروف القاسية العصيبة، التي تمرُّ بها الأمة، ينبغي أن تستعلي الأمة بإيمانها، وألا يكسر باطل العدو – مهما كانت غطرسته واستكباره في الأرض بغير الحق- حقَّها،
وألَّا تستسلم لعوامل اليأس والإحباط؛ وما كان لها أن تيأس وهي تتلو قول الله تعالى:
{وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].
د. إبراهيم التركاوي
4 ديسمبر 2024م