مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: القراءة وحياة المعنى

من أجلِّ نِعم الله وفضله عليَّ أن هداني للقراءة وحبَّبها إليَّ منذ شبابي الباكر؛ فأصبح الكتابُ غايةَ راحتي، وسرَّ سعادتي.

لقد ورثتُ الإسلام كمعظم سائر المسلمين عن أبي وأمي، بَيْدَ أنِّي ما أحسست بطعم الإسلام، ولا أدركت معنى الحياة ولا حياة المعنى؛ إلا بالكتاب الذي جعلني في صُحبة الأنبياء والصحابة والتابعين، ومَنْ سار على هُداهم مِن الأُدباء والعلماء والمُصلحين والمُفكرين.

إنَّ حياة المعنى – لا حياة الجسد – هي التي جعلت الإمام محمد عبده يقول: «إن والدي أعطاني حياةً يشاركني فيها أخواي (علي) و(محروس)، والسيد جمال الدين الأفغاني أعطاني حياةً أشارك بها محمدًا وإبراهيمَ وموسىَ وعيسىَ، والأولياءَ والقديسين»! [انظر: الأعمال الكاملة للإمام الشيخ محمد عبده].

ولأمرٍ ما؛ كان أول ما نزل في آخر رسالة من السماء: كلمة {اقْرَأْ}، قبل أي كلمة أخري في العقيدة أو الإيمان أو العبادة، كما جاء في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:1-5]. والآيات هنا قد جمعت بين الأمر بالقراءة وكرم الرب؛ فالذين ينالون كرم الرب وكرامته هم أكثر الناس قراءة، وأشدهم اتصالًا بالكتاب والعلم.

إنَّ المسلمين الأوائل انطلقوا من الكلمة {اقْرَأْ}، ولذا كانوا أقرأ الناس، وأشدهم اتصالًا بالقراءة والكتاب والعلم الذي يطلبونه في كل مكان ومن كل مصدر، حتى ملكوا العالم المعاصر لهم، لقد نالوا كرَم الرب وكرامته من سعة في الدنيا ومكانة في العالم.

وإذا نظرنا حولنا في هذا العصر الذي نعيش فيه نجد أنَّ الذين يتمتعون بخيرات العالم وينالون الكرم والكرامة هم قُرَّاءُ هذا العصر، وأكثرُهم صلة بالقراءة وما يتصل بها، وهذا ما جعل «توينبي» يقرر: «إنَّ ارتفاع نسبة قُرَّاء الكلمة المطبوعة هو الأساس الحضاري لتصنيف البلدان في العالم إلى دول متخلفة أو نامية أو متقدمة». [انظر: جودت سعيد، اقرأ وربك الأكرم].

أدام الله علينا نعمة القراءة، ورزقنا وإياكم نعمة القراءة «الواسعة العميقة الواعية الشاملة» التي تقودنا إلى أنْ نبصر مواطن الفهم والرشاد، وأنْ نبتعد عن مواطن الخطأ والفساد، وننال كرَم رب العباد، كما جاء في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}.

اللهم لك الحمد كله، ولك الشكر كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله.

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى