مقالات

د. إبراهيم التركاوي يكتب: نحو قراءة مقاصدية

ذهبت إلى معرض القاهرة الدولي للكتاب 2025م، وأنا أفكر في مقاصد العلم في القرآن الكريم، الذي يهدف إلى قيام عالمٍ آمنٍ، مطمئنٍ سعيد، متناسق جميل، وفيما وصل إليه العالَم المعاصرُ بالعلم من علو واستكبار في الأرض بغير الحق!

ففرق كبير بين أن تكون الحضارة البشرية في وفاق مع الطبيعة، وبين أن تعلن الحرب عليها وتكون في خصام معها.

ولذا، جاءت الكلمة الأولى في كتاب الله موصولة باسم الرب جلَّ جلاله، {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]؛ لتكون إيذانًا بأن ينشأ العلم وينمو في رحاب الإيمان والتوحيد، فلا يكون العلم طريقاً إلى الغرور والاستعلاء والتكبر على الله، كما حدث لبعض الأمم التي تحدَّث عنها القرآن، والتي اغترت بما أُوتيت من العلم فكفرت بأنعم الله، {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون} [غافر:83]. لكن العلم في الإسلام يشق طريقه – منذ اللحظة الأولى ليكون طريقًا إلى الهدى، وسبيلًا لاكتشاف ما في الكون من العظمة والإتقان والكمال. [أ.د. عبد الحميد مدكور].

هذه الغائية القِيَميّة للعلم هي التي تجعل العالِم في محراب العلم يطلب بعلمه تعمير الأرض والأوطان، وليس خراب العالم ولا تدمير الأوطان.

إنَّ عجلة التقدَّم العلمي الآن تُخرِّب ولا تُعمِّر، تُدمِّر وتُهدِّم ولا تبني؛ لأن توظيف العلم فارغ من القِيم الدينية والأخلاقية، وهلاك البشرية كلها يكمن في توظيف العلم بلا قيمة دينية ولا أخلاق، وهذا ما نشاهده صباحًا ومساءً في العديد من بلاد المسلمين التي أصبحت مسرحًا وميدانًا لتجارب التقدم العلمي في البلاد الأخرى على أرض المسلمين وأوطان المسلمين، وكم من بلاد دُمِّرت، ونساء رُمِّلت، وأطفال يُتِّمت، وشيوخ قُتِّلت، بسبب توظيف العلم والتقدم العلمي خاليًا من القيم الدينية والأخلاقية! [أ.د. محمد الجليند].

وهذا التوظيف الوحشيُّ للعلم – الخالي من القيم والأخلاق – عبَّر عنه الأستاذ الإنجليزي (جود) بقوله: «إنَّ العلوم الطبيعية قد منحتنا القوة الجديرة بالآلهة، ولكننا نستعملها بعقول الأطفال والوحوش».

وما أجمل ما ذهب إليه أحد المفكرين في قوله: «إنَّ التكنولوجيا الإسلامية التي ترتبط – بطبيعة الحال – بخلفيتها الإيمانية، تُعَدُّ (ضرورة) مُلحَّة، ليس فقط على مستوى الجماعة الإسلامية نفسها، ولكن على مستوى البشرية عامة؛ لأنها ستعرف كيف تتحرك وتنضبط على هَدي القيم الدينية والإنسانية القادمة من عند الله، فتكون حقًّا في خدمة الإنسان، الذي عانى الكثير من تكنولوجيا البطش، والعرقية والأنانية، والعصيان»!!

د. إبراهيم التركاوي

من كتابي: (السلفية المعاصرة وقضايا العصر).

31 يناير 2025

د. إبراهيم التركاوي

كاتب وباحث وكاتب في الفكر الإسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights