د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: في رحاب تلك الأعاصير

من صندوق الذكريات

في عام ١٩٨٧ وفي السنة الثانية في قسم القوي الميكانيكية بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية؛

كان يدرّسنا مادة الـ(Fluids أو الموائع) أستاذنا الدكتور مدحت شوقي وهو رجل متمكّن في تخصّصه، ذو أسلوبٍ راقٍ،

وخطّه بالقلم وعلى السّبّورة جميلٌ وبديعٌ، ولا تكاد تسمع في محاضرته حِسًّا؛ فالكلُّ منصت منجذب للتلقّي عنه.

في إحدى محاضراته الرائعة كعادته -وكانت عن الـ(Rotational force أو القوة المتولدة بالدوران)- طرق أذني لأول مرّة لفظ: (tornado أو إعصار) وأنه قد رأى بعينيه بعضها في أميركا.

وكلّمنا عن قوته وخطورته؛ وطبّق عليه نفس القانون الذي كان في المحاضرة، وأثبت بالمعادلة الرياضيّة ضخامة تلك القوّة الجبّارة المتولّدة بذلك الدّوران، والتي -على حدّ قوله- تقتلع كلَّ شيء في طريقها..

وقد استحضرت لحظتها قول الله تعالى: (تدمّر كلَّ شيء بأمر ربها) في شأن الريح التي أهلك الله بها قومًا كفروا وكذّبوا وتجبّروا في الأرض؛ وأسررت بها لمن كان بجانبي من الزملاء..

وتعرّض في محاضرته أيضًا إلى أنّنا نقلّب كوب الشّاي والعصائر بالملعقة لإذابة السُّكَّر بحركة دورانية بطيئة ومحدودة

(وقال: بشويش)؛ لأن هذا الدوران يسبّب ارتفاع السائل الذي نقلّبه في الكوب،

وكلما زادت تلك السرعة الدورانية كلما ارتفع السائل في الوعاء؛ فلو زدنا هذه السرعة لانسكب الشاي أو العصير من الكوب..

وأننا بهذا الأمر نقوم بعمل إعصار صغير حقيقيّ في الكوب لإذابة السكر..

أميركا مهيأة في المستقبل لأعاصير مدمّرة

وكان مما قاله: إن أميركا مهيأة في المستقبل لأعاصير قوية وخطيرة ومدمّرة، وتعرّض لأسباب ذلك الأمر في علم الموائع؛

التي لم أعد أتذكر منه إلا بعض معادلات سريان السوائل في الأنابيب ومن أشهرها معادلة نافير Navier-Stokes equation

التي كانت لا تتسع السبّورة لمجرد كتابتها عليها، فضلا عن حلّها وحساب القيمة بها.

 وفي عام ٢٠٠٠ تقريبًا كنت بأسرتي بحافلة في رحلة برية بأحد الطرق في صحراء المملكة العربية السعودية؛

ورأيت لأول مرة في حياتي إعصارًا متواضعًا يلف رمال الصحراء ويقتلع كل ما يصادفه من أشجار في تلك الصحراء ويرفعها لأعلى بكل سهولة،

وهي تدور في حركة دائرية وترتفع في السماء حتى تغيب عن ناظريّ..

تذكّرت تلك المواقف والذكريات مع هذه المقاطع المرئيّة عن هذه الأعاصير المخيفة والمهلكة في أميركا؛

التي لم نكن نراها ولا نسمع عنها شيئًا بهذا القدر الموجود الآن؛

اللهم إلا ما جاءنا من ذكرها في كتاب الله تعالى في آية من سورة البقرة، وما ذُكر من عذاب الله سبحانه لبعض الأمم المكذّبة وهلاكهم بالرياح..

وقد كان العرب يقسّمون الرّياح في شأنها مع السَّحاب إلى أربعة أنواع؛

– رِياح الصّبا: وهي تهيج السحاب

– ريَاح الدّبور: وهي تفرّقه

– رياحُ الشّمال: وهي تجمعه

– ريَاح الجنوب: وهي تدرّه

فهم يريدون المطر فحسب؛ وكل ما يهمّهم هو المطر؛ فلذلك يحبون رياح الصَّبا ويتغنون بها.

وفي حديث النبي صلى الله الله عليه وسلم: (نُصرت بالصَّبا، وأٌهلكت عاد بالدّبور)..

ويقول أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السّحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه؛ فالصّبا تهيجه، والشّمال تجمعه، والجنوب تدرّه، والدّبور تفرّقه.

ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا هبت الرباح: (اللهم لقحًا لا عقيمًا) ولقح أي: تنزل بالمطر..

وفي الخبر أن اللقح -أي من الرياح- رياح الجنوب.

وفي بعض الآثار: (ما هبّت ريح الجنوب إلا وبعث عينا غدقة).

وأما الريح العقيم التي يعذب الله بها من شاء: فإنها تأتي بالعذاب ولا تلقح.

نسأل الله تعالى رحمته وعفوه وعافيته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights