د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: قضية الساعة وأولَى الأولَيات

إنني أُدرك جيدًا أن قضية الساعة في مصر هي الفقر وحاجة الناس للطعام والدواء وأساسيات الحياة والمعيشة، وشكوى القطاع العريض من الناس سرًا وجهرًا، وبعضهم يصرخ صراخًا يخترق صماخ الآذان اختراقًا ويُسمِع الأصمّ! لا سيما ما لمسناه مع دخول المدارس وبداية العام الدراسي، في ظل غلاء الأسعار..
وأدرك أيضا أن ما أكتبه في هذه الفترة -وما يكتبه معظم الفضلاء- لا قيمة له عند الأكثرين، وربما يكون ساقطًا من عين الله عزّ وجلّ، وغير مقبول عنده سبحانه! أقول (ربما) ولا أجزم بغيب..
ولكني أتسلى ببعض المباح المفضول الذي أكتبه؛ إدراكًا للنفس من الوقوع، وحفظًا للجسد من العلة والسقوط، وحفاظًا على ما تبقى من السواء النفسي الذي يمكّن على الاستمرار في هذه الحياة لمصارعة شئونها ومكابدة مشاقها، وحفاظًا على مساكين متعلقين بعنق الفقير، من أسرة وأقارب ومعارف وأصدقاء وغيرهم، ينظرون له على أنه جبل شديد أو جمل حمول أَنِف، وينتظرون التثبيت والدعم المعنوي والمادي، ومنه وحده سبحانه أستمد العون، وأسأله الثبات والصمود، داعيًا إياه جلّ وعلا باسمه (الصمد) أن يمدنا بمدده وأن يقوينا على الصمود وأن يفرج كربنا..
فبالليل.. ومع أول وضع للجنب عند النوم تحلّ سحائب الهموم، وغيامات الأفكار؛ في هؤلاء الملايين الحيارى وهذه البطون الجائعة، وفي هذا الغم البادي على صفحات الوجوه، والتي لا تغيب إلا عن أعمى البصيرة، عياذًا بالله ولياذًا بعفوه..
ولربما ظللت أتقلب في الفراش ذات اليمين وذات الشمال حتى تنقضي سويعات الليل الكئيبة، ولولا زخات من الذكر والاستغفار والحوقلة، وبعض همسات من المناجاة المكبوتة المضطرة لعفو وفضل خالق الأرض والسماوات؛ لكان الأمر على غير ما يسُرّ..
يا قوم إن قضية الفقر وتحقيق العدالة أهم القضايا التي ينبغي أن نعنى بها ولا نهتم بغيرها قبلها؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم عالج -أول ما عالج- قضية الفقر وتحقيق العدالة بعد هجرته إلى المدينة، قبل بدر وأحد والخندق وفتح مكة.. فقد أدرك مخطط اليهود في المدينة وتحكمهم في سوقها واحتكارهم التجارة في الأقوات والحـبّ والمؤن.. فعالج ذلك أولا باقتدار.
فعلى العقلاء من أصحاب النفوذ والأموال وصناع القرار والدعاة والمخلصين في هذا المجتمع أن يأتسوا به صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلوا شغلهم الشاغل قضاء حاجة الفقراء والمساكين والأيتام والأرامل وأصحاب الحاجة عامة.
وعلى الأثرياء العقلاء أن يتخلوا عن مظاهر البذخ، وإظهار معالم ثرائهم، وأن يتخلصوا من هذه الأفعال الطائشة وغير المسئولة؛ التي لا قيمة لها ولا حاجة عند المناسبات سواء في أفراحهم أو أتراحهم، فإن ذلك يزيد من لوعة أولئك الفقراء، ويكرث لانحراف الشباب المحتاج، ويهيج مشاعر ذوي الحاجات الأساسية الذين لا يجدون قوت يومهم فعليًّا لا مجازًا.
والله ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل.