د. ربيع عبد الرؤوف الزواوي يكتب: وحُصِّلَ ما في الصُّدور
قال صاحبي: سمعتك تتكلم عن علة اختيار لفظ (حصِّل) في الآية الكريمة في سورة العاديات؛ في قوله تعالى: {وَحصِّلَ مَا فِي الصّدُورِ} دون غيره من الألفاظ الأخرى مما يفسره به المفسرون؛ مثل (جمِّع).. وبتقول: مينفعش لفظ غيره أبدًا.. ممكن تفهمني ليه يعني؟
قلت له: نعم.. صحيح؛ لأن مادة (ح ص ل) في لغة العرب تعني الجمع مع الفرز والتّمييز؛
وأصل التّحصيل في اللّغة: إخراج اللُّبّ من القشر والتّمييز بينهما.. انتبه ليس إخراج اللّبّ من القشر فقط،
لكن لا بد من فصلهما كلًّا على حده..
ولذلك فإن أهلنا الفلّاحين يقولون على ما تنتجه حقولهم بعد أن يصفّونه من القشر أو التِّبن أو القشّ وغيره ويفصلون الحب من القشر-
يقولون عنه: المحصول، وليس المجموع.. ويقولون: المحاصيل الزّراعية وليس المجاميع الزّراعية؛ لأنهم جمعوه وفرزوه وميّزوا الحب من القشر أو القشّ..
والله سبحانه لا يجمع ما في صدور الناس يوم القيامة فحسب؛ بل يجمعه ويميز طيِّبه من خبيثه،
فتكون الأعمال مفروزة منقاه غير مختلط غثّها بسمينها.. ولا يفي لبيان ذلك إلا لفظ (حصِّل)..
فالتّحصيل في اللغة: الجمع والإظهار والتّمييز؛ يٌقال: حصّل الشيءّ تحصيلا: أظهره وجمعه وميّزه، وأصل التّحصيل: إخراج اللّبّ من القشر والتّمييز بينهما.
قال شيخ المفسّرين الطّبريّ رحمه الله: وقوله: {وَحصِّلَ مَا فِي الصّدُورِ} يقول: وميِّزَ وبيِّنَ،
فأبرز ما في صدور الناس من خير وشر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
وقال القرطبّي رحمه الله: {وَحصِّلَ مَا فِي الصّدُورِ} أي: مُيِّز ما فيها من خير وشر؛ كذا قال المفسرون، وقال ابن عباس: أبرِز.
وقرأ عبيد بن عمير وسعيد بن جبير ويحيى بن يعمر ونصر بن عاصم (وحَصَل) بفتح الحاء وتخفيف الصّاد وفتحها؛ أي ظَهَر.
فسبحان من هذا كلامه..