تجربة سطرها التاريخ ويحاول الأغبياء استنساخها، لكن التاريخ في تجربته المكررة لا يرحم من لم يتعظ بغيره وجعل نفسه موطن العظة.
وقد ذكر الذهبي في سيره قطفا من سيرة ابن العلقمي فقال: “الوزير الكبير المدبر المبير مؤيد الدين محمد بن محمد بن علي بن أبي طالب بن العلقمي البغدادي الرافضي وزير المستعصم،
وكانت دولته أربع عشرة سنة فأفشى الرفض فعارضه السنة، وأكبت، فتنمر، ورأى أن هولاكو على قصد العراق فكاتبه وجسره وقوى عزمه على قصد العراق، ليتخذ عنده يدا، وليتمكن من أغراضه، وقتل بسببه الخليفة ونحو السبعين من أهل العقد والحل،
وبذل السيف في بغداد تسعة وثلاثين نهارا حتى جرت سيول الدماء وبقيت البلدة كأمس الذاهب، لقد كان ابن العلقمي مشؤومًا على نفسِه، وعلى أهل بغداد، ورديء الطويَّة على الإسلام وأهله، ولم يُعصَم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزيرَ صِدقٍ ولا مرضيَّ الطريقة؛ فإنه هو الذي أعان على المسلمينَ في قضية هولاكو وجنوده في سقوط بغداد، وارتكاب مذبحة فيها- لقد خان ابن اللقمي من ائتمنه واستوزره ومَنَّ عليه بالجاه والمكانة، وقد كان له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصُلْ لِغَيرِه من الوزراء. لكنها الخيانة التي تسري في الدماء القذرة وتبيع الأمة لأعدائها بثمن بخس! فهل نال ابن العلقمي مرراده؟ وهل وجد التقدير عند من باع لهم دولته؟ كلا لقد حفر للأمة قليبا، فأوقع فيه قريبا، وذاق الهوان، وبقي يركب كديشا وحده، بعد أن كانت ركبته تضاهي موكب سلطان، لقد عاش ابن العلقمي بعد الكائنة ثلاثة أشهر،
وهلك فمات غبنا وغما، ومات قبله بأيام أخوه الصاحب علم الدين أحمد، ومات بعده ابنه محمد، فالغاصب لا يحترم خائنا ولا يعطي له الأمان أبدًا فهو يعلم أنه قد خان الأمانة وباع القرابة، وتلك صفحة سوداء من صفحات الحقد على السنة يُجددها اليوم الدُرزي الخائن حكمت الهاجري، فها هو يبيع قومه ويُغرر بهم ويدفعهم إلى هاوية محتومة بتأليب الصهاينة على الدولة السورية التي منحته وشعبه فرصة وضمانا للعيش في أمان في ظل الدولة السورية،
لكنه ذيل الكلب الذي يأبى الاستقامة ويأتي بالأعاجيب! وما فعله حكمت الهاجري في حق دروز سوريا أخطر بكثير مما فعلته إسرائيل نفسها، فالهاجري رسم بفرشته اللعينة صورة للدرزي السوري أمام الشعب السوري وأمام العرب وأبرزه في لوحة الخائن لوطنه، الذي ينتظر الفرصة السانحة لطعن الوطن في الظهر، وبيع دولته إلى عدوها التاريخي من أجل تدمير الدولة السورية وتمزيقها، وهذه الصورة القميئة هي أسوأ ما يمكن تقديمه للدنيا بأسرها عن الدروز في سوريا، وما قام به الهاجري الذي كشف عن سوء الطوية في جرائمه هو أسوأ ما تواجهه الدولة منذ تأسيسها.
ولقد ضيع الدروز باستجابتهم للهاجري فرصة العيش الآمن بضمان الدولة السورية، ووضعوا أنفسهم في مواجهة أغلبية الشعب السوري، وتلك مواجهة عاقبتها الألم والحسرة والندم. وسيندم الدروز المتمردون قريبا ـ ولات حين مندم ـ، وسيتمنون أن يعودوا لحضن الدولة التي تمردوا عليها واستعانوا بقوى خارجية ضد أبناء وطنهم، وسفكوا دماء من مَدوا لهم كفوف السلام. فهل نال الهجري ما تمَنِّى؟ وهل أصبح بعد جريمته مُهَنَّى؟
كلا فها هو بداية الانقلاب في الحفرة والتردي في الهاوية! إذ لم يفرح زعيم الدروز المتمرد حكمت الهجري سوى ساعات قليلة، بعد انسحاب القوات العسكرية والأمنية، وخيانة الاتفاق الذي وقعه بعض قادة الدروز مع الحكومة، فمشاعر النصر الزائف ورفع الأعلام الإسرائيلية في السويداء في بداية الصباح انقلبت عليهم حسرة وندامة في المساء، عندما سيطرت قوات العشائر على القرى الدرزية في غرب السويداء ودحرت ميليشيا المجلس العسكري الانفصالي الذي هرب ولم يستطع البقاء على الأرض.،
لقد ثارت ثورة العشائر فيا ميليشيات الدروز انتظري الهول المحتوم، فما ارتكبته الميليشيات التابعة للهجري ضد أحياء العرب السنة في السويداء وفي قرى البدو وقطع الرؤوس بالسكاكين قد هيَّجَ غضبة البدو والعشائر العربية في كل سوريا، واتسعت حركة التداعي لرد الاعتداءات الدرزية لقد غضب الشعب وقرر أن يستأصل هذا الورم الخبيث من جسد الدولة السورية، فالتحرك العسكري هذه المرة بعيدا عن الحكومة ولا سلطة للدولة عليه، فهو رد فعل على ما اعتبره السوريون خيانة من أقلية مارقة خانت السلام المتوارث والعيش المشترك. وهذا الغضب الشعبي السوري لا يمكن السيطرة عليه، وحان وقت الدفع لثمن المغامرة الفاشلة التي غار بها وقامر فيه الهاجري بطائفته، وسيخسر الدروز وسيهزم الصهاينة فالأرض تقاتل مع أبنائها وأهلها، ولقد أكد الشعب ممثلا في قيادته أنه لا تراجع ولا استسلام فقد قال أحمد الشرع في خطابه:
إنّ امتلاك القوة العظيمة لا يعني بالضرورة تحقيق النصر، قد تكون قادراً على بدء الحرب ولكن ليس من السهل أن تتحكم في نتائجها، فنحن أبناء هذه الأرض، والأقدر على تجاوز كلّ محاولات الكيان الإسرائيلي الرامية إلى تمزيقنا، وأصلب من أن تزعزع عزيمتنا بفتنٍ مفتعلة، نحن لسنا ممن يخشى الحرب، نحن الذين قدمنا أعمارنا في مواجهة التحديات والدفاع عن شعبنا،
سوريا ليست ساحة تجارب للمؤامرات الخارجية، ولا مكاناً لتنفيذ أطماع الآخرين على حساب دماء أطفالنا ونسائنا.
وغدا تستقبل مزبلة التاريخ الهاجري ومن عاونه كما استقبلت العلقمي ومن شايعه.