بحوث ودراسات

د. صالح الرقب يكتب: خطورة الدعوة إلى الدِّيانَةُ الإبراهيمِيَّةُ وحكمها شرعًا (2)

 أهداف الدعوة للديانة الإبراهيمية:

 إنَّ الدعوة للدِّيانَةِ الإبراهيمية دعوةٌ ضالةٌ، خبيثةٌ ماكرةٌ، لها عِدَّةُ أبعادٍ وأهدافٍ دينيةٍ وسياسيَّة، وفكريَّةٍ وعقديَّة، حيث جاء طرحها وعرضها ضمن منهجية خبيثة ومفاهيم جديدة، بهدف إعادة قراءة النصِّ الديني ونزع قدسيَّته من النفوس، بما يوافق رغباتهم ونزعاتهم وأهوائهم الخبيثة الباطلة، وهي بحدِّ ذاتها سلخ للأمة عن دينها وعقيدتها وفطرتها السليمة الصحيحة. فالدعوة للدِّيانَةِ الإبراهيمية هي كفرٌ صراحٌ، ومروقٌ من الدِّين، وبدعةٌ كفريةٌ خطيرةٌ، مصدرُها مراكز بحثية ضخمة وغامضة. ومن أهدافها.

أولاً: تستهدفُ طمسَ معالم الدين الإسلامي الحقِّ، ومحاربةَ أحكام الشريعة الإسلامية، وإبدالَ دين الله الحق بدينٍ جديدٍ مصنوعٍ من أهوائهم وأفكارهم وثقافتهم الباطلة. قال الله تعالى: (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) البقرة:217.

ثانيًا: تستهدفُ الدعوة إلى الدِّيانَةُ الإبراهيمِيَّةُ هدم عقيدة الولاء والبراء والحب والبغض في الله، فترمي هذه الديانة الماكرة إلى كسر حاجز براءة المسلمين من الكافرين، ومفاصلتهم، والتدين بإعلان بغضهم وعداوتهم، والبعد عن موالاتهم، وتوليهم، وموادتهم، وصداقتهم.

قال الله تعالى:

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

سورة التوبة:23: 24.

وقال تعالى:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)

سورة المائدة:51. وقال تعالى:

(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

سورة المجادلة: 22.

ثالثًا: إنَّ الدعوة للدِّيانَةِ الإيرَاهِيميَّةِ تستهدف أنْ تأتي على الإسلام من القواعد، وإسقاط جوهر الإسلام واستعلائه، وظهوره وتميُّزِهِ. فيتمُّ القضاء عليه وانْدِراسه، وبالتالي وَهْنَ المسلمين، ونزع الإيمان من قلوبهم، وَوَأدَهُ، وتفريق العالم الإسلامي وتفتيته، وعزل الشريعة الربَّانية عن الحياة، وتسريح الإسلام في مجاهل الفكر، والأخلاقيات الهدَّامة، وتفريغه من كل مقوماته، فلا يترشح الإسلامُ لقيادةٍ أو سيادةٍ، وما على المسلم إلاَّ التَّلقي لِما يُملَى عليه من أعدائه، وأعداء دينه.

رابعًا: إنَّ الدعوة للدِّيانَةِ الإبراهيمية تستهدف هدمَ وتقويضَ أصلٍ من أصول الإسلام ألاَ هو وجوبٌ اعتقاد كفرِ كلِّ من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى، وغيرهم من الكفار ووجوب تسميته كافرًا، وأَنَّه عدوٌ لله ورسوله والمؤمنين، وأنَّه من أهل النَّارِ كما قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) البَيّنـَـة:1.

وقال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ} (البَيّنـَـة:6)، وغيرها من الآيات.

وثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار”. ولهذا: فمنْ لمْ يُكفِّرْ اليهودَ والنَّصارى فهو كافرٌ، عملاً بقاعدةِ شريعيِة: “من لم يُكفِّر الكافر فهو كافر”.

خامسًا: إنّ الدَّعوة للدِّيانَةِ الإيرَاهِيميَّةِ لها هدفٌ سياسيٌ يسعى إليه العدوُ اليهودي المُحتلُ الغاصبُ، وهو ترسيخ حقه المزعوم الموهوم، فهي إذن تُشكِّلُ خطرًا واضحًا على مجملِ قضايا الأمَّةِ الإسلاميَّة، وعلى رأسِها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك حيثُ يتطَّلعُ العدوُّ الصهيوني إلى هدمِه وبناءِ هيكلهم المزعوم على أنقاضه. وقد تجلَّى ذلك من خطورةِ ما أصدره القائمون على هذا المشروع في وثيقة “مسار إبراهيم”، والذي يهدفُ إلى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة ما يسمى (إسرائيل الكبرى)، وهي تنصُّ صراحةً على أنَّ أراضي الدول التي يسجلها هذا المسار ليست ملكًا لسكَّانِها الفلسطينيين أصحاب الحقِّ الأصلي، بل ملكٌ لأتباعِ النَّبيِ إبراهيم الذي ملَّكه الرَّبَّ تعالى أرضَ فلسطين بوعد إلهي مقدس كما يزعمون، ومعلوم أنَّ يهودَ اليوم يزعمون أنَّهم الأبناءُ الحقيقيون لنبيِ الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وبذا يتيحُ الدينُ المنسوب إليه زورًا وبهتانًا (الديانة الإبراهيمية) فرصةً ليهود اليوم بالاندماج في المنطقة، ومن ثمَّ المطالبة بحقوقهم التاريخية والدينية المُدَّعاة في أيِ مكانٍ وطئتهُ أقدامُهم، حسب تصورهم التوراتي.

سادسًا: وممَّا يهدفُ إليه من وراء اختراع “الديانة الإبراهيمية” ويأملون نحقيقة هو: انحسارُ المدِّ الدعوي الذي يعرفه العالم بأسره للإسلام بسبب هذا الطرح العجيب الغريب. وانحلالُ رابطة الأخوة الإيمانيَّةِ بين أهل الإسلام، وإحلال أخوة بديلة بين المسلمين وغيرهم. وإبطال مقاومة المغتصبين وجهاد المحتلين سواء كانوا يهودًا أو نصارى، بزعم أنَّهم أصبحوا إخوةً في الدِّين الإبراهيمي. وتبديلُ مفاهيم، وإحلالُ أخرى بحسب ما يمليه دهاقنةُ هذا الدِّين الجديد.

سابعًا: وممَّا يهدفُ إليه إزالة ما يشير إلى عداوة اليهود والنصارى للمسلمين من المناهج الدراسية والمحتوى الثقافي والإعلامي والدعوة إلى التعامي عن الواقع بجميع أبعاده. وفتح الأبواب على مصراعيها للمنتجات الثقافية من الديانات الأخرى، ولو كانت تؤدي إلى خروج المسلم من دينه، بحجةِ تلاقي الثقافات والأديان تحت المظلة الديانة الإبراهيمية.

 وقد رافقت الدعوة للدِّيانَةِ الإبراهيمية مسارات التطبيع العربي مع العدو الصهيوني وتلك المسارات باسم اتفاقية «إبراهام» أي باسم نبي الله (إبراهيم) عليه السلام، ولو كان ما يفعلونه صواباً لما احتاجوا إلى أن يعطوه اسم (إبراهيم)، ويستخدمون اللفظة المسيحية الإنجيلية” إبراهام” وإنما هو تأسيس لما بعده من مصائب، ومحاولة بائسة لتغطية الجرائم السياسية ضد المسجد الأقصى والقدس والشعب الفلسطيني، بغطاء مقدس من الدين، لتمريرها على الناس. ويظهر من هذه المسميات أنها ضرب من التضليل والخداع، فصراع المسلمين على أرض فلسطين المسلمة هو في الحقيقة صراع يتمثل في مواجهة المشروع الصهيوني الاحتلالي الاستيطاني.

وقد ظهر جليًا أنَّ المروجين لهذه الديانة يتذرَّعون بهذه التَّسمية، لتبرير أفعالهم الخبيثة التي تستهدف محاربة الدعوة والصحوة الإسلامية، واختراع دينٍ بديلٍ عن الدِّين الإسلامي الذي أخذ في الانتشار بين الأوربيين أنفسهم. وهم يقلدون التَّتار المغولَ، فإنَّه لمَّا حكمَ المغولُ بلادَ المسلمين بعد جنكيز خان في القرن الثامن الهجري، حكموا بقوانين مختلطة من الإسلام والنصرانية واليهودية وغيرها من الأهواء، كما ذكر الحافظ ابن كثير وسموها (الياسق)، وألزموا بها الناس، حتى بعد دخولهم في الإسلام بقوا يحكمون بهذا القانون. ويقول ابن تيمية أيضا: “وكذلك الأكابر من وزرائهم – أي المغول- وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأنَّ هذه كلُّها طرقٌ إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين”.

(مجموع الفتاوى: ابن تيمية 28/ 523).

 ومن مما يلحق بالديانة الإبراهيمية ما يسمَّى بالمسار الإبراهيمي للسياحة الثقافية الدينية، والمراد به مسار «الحج الإبراهيمي»، وهو مسار يتتبع رحلة إبراهيم من مولده إلى موضع موته ودفنه، ويرتبط بهذا المسار مسارات دينية وثقافية ثانوية وداعمة، كالمسار الصوفي ومسار أبناء الهيكل.

ويغطي هذا المسار في مرحلته النهائية حوالي عشر دول تمتد على طول (5000كم) يخترق فيها حاليًّا تركيا وسوريا ولبنان، والأردن وفلسطين، وفي فترة لاحقة سيخترق إيران والعراق ومصر والسعودية، (وصولًا إلى المشاعر المقدَّسة في مكة والمدينة).

وقد عملت جامعة هارفرد – وهي أحد الجامعات الدولية الداعمة للفكرة الإبراهيمية- على تبني هذا المسار بأبحاثه وتسويقه، وعلى القيام باستطلاعات لرأي شعوب المنطقة حوله، ومتابعة تنفيذه على أرض الواقع، حيث تمَّ تنفيذ حوالي (300كم) منه تحت مسمى مبادرة المسار الإبراهيمي، وكونت منظمة (API) والتي بدأت فعليًّا في استقطاب الحجاج والزوار، وتهيئة المرشدين السياحيين والبرامج الإثرائية لهم. ومن المتوقع لاحقًا أن يتمَّ تدويل هذا المسار باعتباره منطقة من مناطق التراث العالمي. وبالتالي سيكون هذا التدويل مدخلًا لتحكم الصهيونية العالمية في الدول العربية الواقعة على هذا المسار.

حكم تبني الديانة الإبراهيمية وترويجها والدعوة إليها:

 إنَّ الدعوةَ إلى الديانة الإبراهيمية فكرةٌ مرفوضةٌ شرعًا، ومحرمةٌ قطعًا بجميع الأدلة من القرآن والسنة والإجماع، وإنْ صدرت من مسلمٍ فهوَ مرتدٌ ردةً صريحةً عن دين الإسلام، لأنَّها تصطدم وتتناقضُ مع أصولِ الاعتقاد الإسلامي، فَتَرضَى بالكفرِ بالله عزَّوجلَّ، وتبطلَ صدقَ القرآن الكريم ونسخَه لجميع ما قبله من الكتب السماوية، كما تُبْطِلَ نسخَ الإسلام لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وتدعو بتذويب الفوارق بين الأديان الثلاثة؛ فيُساوي أصحاب التثليث والشاتمين لله تعالى وقتلة الأنبياء مع أهل التوحيد والاتِّباع لرسل الله عليهم الصلاة والسلام، ويقرُّ كلٌّ على ما هو عليه، إنَّها دعوة إلى هدم الإسلام، وتقويض بُنيانه، وخيانة للأمَّة المسلمة. وحذر السلف من هذا الخلط، الذي سماه القرآن الكريم (اللبس)، وذلك في قوله تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) البقرة:42. قال قتادة رحمه الله: “لا تلبسوا اليهودية والنصرانية بالإسلام، إنَّ دينَ الله الإسلام، واليهودية والنصرانية بدعةٌ ليست من الله” (تفسير ابن كثير1/245).

وممَّا يبيِّنُ بطلان هذه الديانة الجديدة: أنَّ الله تعالى قد ردَّ محاجَّةَ اليهود والنصارى ومجادَلتهم لمَّا ادَّعى اليهود أنَّ إبراهيم كان يهوديًّا، وادَّعى النصارى أنَّه نصراني، وجادلوا على ذلك، فقال الله تعالى: )يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ( آل عمران:65-68.

إنَّ طاعةَ أعداءِ الملَّةِ والدِّين في أمر الدين المبتدع، والقبول به، والدعوة إليه خروج من ملَّة الإسلام الخاتم الناسخ لكل شريعةٍ سبقته، ولن يفلح قوم دخلوا في هذا الكفر الصُّراح! قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ) آل عمران: 100. وقال الله عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ) آل عمران: 149.

ولقد تنبَّه علماء الإسلام إلى خطورة الدعوة إلى الديانة الإبراهيمية الحديثة المزعومة (وهي خليط يجمع اليهودية المسيحية والإسلام) وما يتفرع منها، من الخلط بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والخير والشر، والهدى والضلالة، والمعروف والمنكر، والسنة والبدعة، والطاعة والمعصية.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله” :قول القائل : المعبود واحد وإن كانت الطرق مختلفة، ونحو ذلك من الأقوال والأفعال التي تتضمن إما كون الشريعة النصرانية واليهودية المبدلتين المنسوختين موصلة إلى الله؛ وإمَّا استحسان بعض ما فيها مما يخالف دين الله، أو التدين بذلك، أو غير ذلك مما هو كفرٌ بالله وبرسوله، وبالقرآن وبالإسلام، بلا خلاف بين الأمَّة الوسط في ذلك، وأصل ذلك المشابهة والمشاركة”.

(اقتضاء الصراط المستقيم 1/540).

ولقد جاء في البيان الختامي للمؤتمر الذي عقده كلٌّ من رابطة علماء المغرب العربي ورابطة علماء المسلمين والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: “إنَّ أساسَ فكرةِ الدين الإبراهيمي يقوم على المُشتركِ بين عقيدةِ الإسلام وغيره من العقائد، وهي فكرةُ باطلةُ؛ إذ الإسلام إنَّما يقومُ على التَّوحيدِ والوحدانيَّةِ، وإفرادِ الله تعالى بالعبادة، بينما الشرائعُ المحرَّفةُ قد دخلها الشركُ، وخالطتها الوثنيَّةُ، والتَّوحيدُ والشركُ ضدَّان لا يجتمعان”.

وحذّر مجلس الإفتاء الأعلى الفلسطيني من خطورة الدعوة إلى “الديانة الإبراهيمية” الجديدة المزعومة وما يتفرع منها، خاصة مشروع التطبيع العربي المعروف باسم “وثيقة مسار إبراهيم”. وقال المجلس في بيان صحفي، إن هذه الدعوة “تشكل ردّةً صريحة عن الإسلام”، مؤكدا أنها دعوة ضالة، خبيثة ماكرة، وأن الغرض منها خلط الحق بالباطل. وأن هذه الدعوة تشكل خطرا محدقاً بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى المبارك، يَحرُمُ اتباعَها، أو تَبَنِّيها، ولابدَّ من تفنيدها، وكشفَ حقيقةَ أهدافها، وبيانَ مخاطرها. وشدَّد المجلس الإفتاء الأعلى الفلسطيني على أنَّ مشروع “الدين الإبراهيمي” المزعوم، فضلاً عن استهدافِه عقيدة المسلمين تحديداً، يمثِّلُ توظيف سياسي لمفهوم الديانة الإبراهيمية، يستفيد منه المحتل الغاصب، لترسيخ حقه المزعوم الموهوم. ويشكِّلُ خطرًا واضحًا على مجمل قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وخاصة المسجد الأقصى المبارك. وأنَّ هذا الأمر تَجلَّى بما أصدره القائمون على هذا المشروع من وثيقة: “مسار إبراهيم، والتي قال المجلس إنِّها تَهدفُ إلى إعادةِ رسمِ خارطة الشرق الأوسط، بما يتماهى مع خارطة إسرائيل الكبرى.

ولذا فإنَّ المسلمَ الصادقَ عليه أنْ يَحذرَ من الدُّخولِ في مؤتمرات أصحاب الدَّعوةِ للديانة الإبراهيمية، وندواتهم، واجتماعاتهم، وجمعياتهم ومحافلهم، بل يجبُ عليه شرعًا نبذُ ما يُسمَّى بالديانة الإبراهيمية، والحذرُ ومنها، والتَّحذيرُ من خطورتِها وسوءِ عواقبها، واحتسابِ الأجر من الله تعالى بفضحِها، والتَّنفير منها، وإظهار الرَّفض لها، وإبعادها وأصحابها عن ديار المسلمين، والسعي لتحصين المسلمين ضد هذه الأفكار، والقضاء عليها، ونفيها من واقع المجتمعات الإسلامية.

ويجب أنْ يقوم علماء الإسلام ومؤسساتهم العلمية ومجامعهم ودور الإفتاء في العالم الإسلامي من تفنيدها، وكشف حقيقة أهدافها، وبيان مخاطرها. وإحداث الوعي للجيل المسلم بتلك المخططات وبيان المآلات الخطيرة من ورائها، وإظهار من وراء هذه المؤامرة من عرب وعجم، وإطلاع الشعوب المسلمة على ما يُراد بدينها، ونشر العلم بثوابت الدين ومحكماته، فمعركة الوعي هي أهمُّ شيء في مواجهة هذه الفتنة القاتلة والمحنة القاسية، وهذا يعدُّ من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله تعالى، ونصرة دينه.

د. صالح الرقب

أستاذ العقيدة، بالجامعة الإسلامية، فلسطين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى