مقالات

 د. عبد العزيز كامل يكتب: ماذا لو؟!

و(لو) هنا؛ ليست من تلك التي تفتح عمل الشيطان، ولكنها (لو) التمني التي تتطلب التحرك القلبي والعصف الذهني.

وذلك على غرار حديث (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً) رواه الترمذي وحسنه.

 وحديث البخاري عن الحج، في كتاب التمني: (إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لحللت)..

وهنا أقول: إذا كانت غزة وأبطالها الأعزة قد صمدت أمام قوى الباطل بكل جبروته وشروره، مع كون المرابطين في حصار ضار منذ عقود من القريب قبل البعيد، وفي خذلان جالب للعار من عرب الجوار قبل الأباعد الكفار؛

فماذا لو أدى كل واحد منا مثل ما يؤدونه بالنيابة عنا؟

وماذا (لو) تحولت بعض المجتمعات الإسلامية في مثل هذه النوازل الملمة المدلهمة الى مجتمعات شبه عسكرية على نمط الدولة اليهودية الحالية التي تتفاخر أمام العالم «الحر» بأن (كل الشعب فيها جيش، وكل الوطن عندها جبهة) ؟

ماذا (لو) شاركت الحكومات شعوبها في كل أو بعض أصناف المقاطعة الاقتصادية، ضد المؤيدين والممولين للقتلة السفاحين، علما بأن غالب تلك الحكومات لا تزال تستورد أو تصدر بالمليارات ما يمكن أن يعد مساعدات للمعتدين على أهلنا العزل المستضعفين في فلسطين؟

وماذا (لو) اتخذ حاكم من حكام (دول الطوق) القرار الشجاع المنتظر منذ سبعة عقود بفتح الحدود، بغرض النصرة والدفاع عن الأرض المباركة المنهوبة ومقدساتها المغصوبة، أداء للفرض المتعين على مجموع المسلمين، بحسب فتاوى كل علماء المسلمين؟

ماذا (لو) أن بلدان الخليج ذات النشأة السنية، اقتفت أثر إيران الشيعية الرافضية، فسخرت ثرواتها وبعض أموال «قاروناتها» في إيجاد أذرع سنية ذات مخالب وأسنان مسنودة بمحاضن شعبية، لتكون حوائط صد ورد لموجات العدوان المترادف من أولياء الشيطان، علما بأن كيد الشيطان كان ضعيفا..

ماذا (لو).. أن الكيانات والجماعات الإسلامية – وبخاصة السلفية – خصصت قدرا مهما من نشاطها (حركيا أو فكريا أو علميا أو ماديا) ليكون جزءا من المشروع الكبير للتحرير، قاصدين المشاركة في فريضة خوض المعركة لتخليص الأرض المباركة، بدلا من تحميل فصيل واحد في الأمة أكبر واجبات الوقت على كل الأمة؟

وماذا (لو) وجه كثير من الإسلاميين طاقاتهم المهدرة في الخلافات والنزاعات البينية أو العلنية؛ صوب عدو الله وعدوهم، بدلا من الانشغال بتقاذف التهم بينهم، وتبادل السباب والتنابذ بالألقاب، وهو ما يقوي صف العدو المصيري ويزيد وهن الصف الإسلامي، الذي لم تفلح لليوم جهود التقريب لفصائله، فضلا عن التوحيد لأهدافه ووسائله؟

وماذا (لو) أن الكيانات والروابط والهيئات والاتحادات العلمائية تضافرت جهودها في صف واحد وبصوت واحد، لتقود الأمة في النازلة الحالية التي تعد مفترق طريق نحو مراحل أخرى مستقبلية، قد تكون أكثر كارثية في غالب البلدان العربية..

ماذا لو أخذ شباب الأمة اليوم زمام المبادرة بقوة واقتدار في مواجهة الأزمات الحالية، مثلما فعلوا أوقات الثورات العربية، لكن مع الاستفادة من تراكم الخبرات ودروس التجارب، حيث إن لكل صراع ميدانه ولكل ميدان فرسانه؟!

ماذا لو حملت كل امرأة من المسلمات هموم نساء فلسطين، وأنزلت أطفال غزة منزلة أطفالها، ونساءها في منزلة شقيقاتها، ورجالها بمنزلة أشقائها، حيث إن النساء شطر الأمة وشركاء الرجال في تحمل مسؤولية الأجيال.

ماذا (لو) أن رجال الأعمال قاموا بأعمال الرجال في كفالة المهددين بالضياع من الأجيال التي فقد عائلها أو غاب كافلها؟

ماذا (لو) أن أهل السرف والترف والرفاهية الخرافية، حولوا قسطا زائدا منها لسد رمق الجوعى وبل عروق العطشى وعلاج الجرحى. وإغلاق أبواب الحاجة والاضطرار عند الأعزة الأبرار الذين يحسبهم الجهال أغنياء من التعفف؟

وأخيرا وليس آخرا.. ماذا (لو).. اجتمع قادة جيوش البلدان العربية، ومن ورائها جيوش البلاد الإسلامية التي تحت تصرفها قوات وأسلحة بمئات المليارات؛ وقرروا – لو كانوا حقا مخلصين – دعم المجاهدين في فلسطين، مثلما قررت قيادات جيوش الدول النصرانية تقديم دعمها غير المحدود لعصابات اليهود، رغم إجماع الجميع على أنهم يشنون حرب إبادة وحشية دينية وعنصرية، تتعارض مع كل المعايير الإنسانية؟

لكن الظاهر أن الجواب على هذا الاستجواب لا يستفاد إلا من قول الله سبحانه..

 {(وَلَوْ) أَرَادُواْ ٱلْخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُۥ عُدَّةً وَلَٰكِن كَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ ٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْقَٰعِدِينَ} [التوبة/٤٦].

فاللهم جبرا لكسرنا، وكسرا لعدونا، ونصرا ورشدا وثباتا لإخواننا، تجعله آية وعبرة لأهل زماننا..

اللهم آمين.

د. عبد العزيز كامل

‏دكتوراة في أصول الدين‏ في ‏جامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى