مقالات

د. محمد عياش الكبيسي يكتب: تساؤلات حول التعليم الديني

قبل قليل بعد صلاة المغرب ذهبت إلى الصيدلية لاستلام أدويتي، فإذا بالأخ الصيدلاني والذي لم تسبق لي معرفة به لكنه يبدو أنه يعرفني من خلال (الشاشة) فمسك بالأدوية ولم يسلمها لي قائلا: هذه فرصة أن أرى أستاذا في الشريعة لأنه عندي تساؤلات كثيرة.

كنت أظن في البداية أن عنده أسئلة شرعية كما هو المعتاد، لكنه فاجأني بسيل من الأسئلة وكلها تعبّر عن نقد شديد للتعليم الديني المعاصر، وسألخّص أهم أسئلته:

س١/ كيف تمنح شهادة الشريعة لشخص دون التأكد من قدرته على تمثيل (الشريعة) بسلوكه وأخلاقه تمثيلا سليما؟ بينما كان التعليم الشرعي (القديم) يركز على بناء شخصية الطالب بل ووضع ضوابط لقبوله في هذا السلك من البداية، ولذلك كان (العالم) محل ثقة الناس بشخصيته وسلوكه قبل علمه.

س٢/ هل تعتقد أن أربع سنوات في التعليم الجامعي (النظامي) تؤهّل الشخص فعلا لكي يكون إمامًا وخطيبا ومفتيا للناس؟ بينما كان التعليم القديم يتعهد الطالب من طفولته إلى أن يشاء الله.

س٣/ اليوم يجتهد بعض الدعاة والمشايخ لسد النقص الحاصل في التعليم النظامي بتسجيل دروس ووضعها على النت، فهل ترى أن هذه طريقة صحيحة؟ أو أنها ستزيد من حالة (اختلاط الحابل بالنابل)؟

س٤/ أخيرا قال: لديّ ابن يودّ دراسة الشريعة، وأنا معه في ذلك لكني خائف، وأتمنى لو أن هناك أي تعليم شرعي حقيقي حتى لو بدون شهادة ولا مستقبل وظيفي، هنا أخذتني العبرة وأنا أتذكر والدي رحمه الله يوم كنت في السادس الابتدائي، قال لي: اسمع محمد أنانذرتك للإسلام، أنا لا أريد منك شهادة ولا وظيفة، أريد فقط أن يكون عندي ابن مثل الشيخ عبد الستار الملا طه -عليهم رحمات ربي-، هنا قال لي أخي الصيدلاني: يا دكتور أكلتنا الدنيا وأكلت كل شيء فينا حتى الدين والعلم والأخلاق!

قلت له يا أخي: كأنك والله تقرأ أفكاري وما يهمني ويشغلني ويقلقني، قال: أنا مستعد أن أزورك في بيتك أو في مكتبك لنواصل الحوار، فالمسألة بالنسبة لي ليست مسألة ابني بل مسألة أمّة وأمانة وأجيال وحساب شديد ينتظرنا هناك.

 ودعته وأنا أقول في نفسي: والله لو كان كل الناس من أهل الصلاة والمسجد يشعرون بهذا الشعور لكانت حالنا على غير هذه الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى