لا يزال الخطاب من الله تعالى موجهًا إلى بني إسرائيل بأنه سيرد لهم الكرَّة على العرب الذين أزالوا ملكهم ودولتهم في الإفساد الأول، وسيمدُّهم بالأموال والبنين، وسيجعلهم أكثر نفيرًا.
{أكثر نفيرًا}:
أيْ وجعلنا لكم الكثرة في جيشكم وجنودكم الذين يخوضون المعارك، ويَنفِرُون في الحرب.
والله تعالى لم يقل:
(وجعلناكم أكثر عددًا)، فالعرب في العدد أكثر، ولكن الله سبحانه وتعالى قال: (وجعلناكم أكثر نفيرًا)، أي أكثر إعدادًا وضجيجًا في الحروب والمعارك، كما حدث في حروبهم مع العرب منذ 1948م.
وقد لاحظنا هذا الأمر بأنفسنا، حيثُ كان المقاتلون اليهود في حروبهم دائماً أكثر من المقاتلين العرب، رغم كثرة أعداد العرب، (ففي حرب فلسطين سنة 1948م كان عدد الجيوش العربية السبعة 21500 جندي، أي ما يعادل ثلث عدد الجيش الإسرائيلي البالغ 68100 جندي).
ومن دلالات قوله تعالى: {وجعلناكم أكثر نفيرًا}:
1- {أكثر نفيرًا}:
أيْ أكثر أنصارًا ومؤيدين، كما رأينا عبر عقود كيف أن مجلس الأمن الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، يكيلون بمكيالين لصالح اليهود، مناصرين ومؤيدين لهم على العرب الفلسطينيين أصحاب الحق المظلومين.
وفي هذا يقول الزجّاج في معاني القرآن وإعرابه: (أكثر نفيراً): وجعلناكم أكثر نُصَّارًا، أيْ جعلنا نصراءكم أكثر.
2- {أكثر نفيرًا}:
أيْ أكثر إعلاناً للحرب بما لديكم من أدوات الحرب المختلفة، كالجنود، والأموال، والأسلحة المتطورة، والإعلام الدولي، والمساندة السياسية.
ومنذ قيام الإفساد الثاني لليهود في سنة 1948م، رأينا العديد من الحروب التي خاضتها (إسرائيل) ضد العرب، وفي كلِّ المرّات كانت (إسرائيل) هي المُعتدية.
ومن أشهر هذه الحروب:
1- حرب فلسطين 1948م (النكبة)، حيثُ سيطرت (إسرائيل) على 78% من أرض فلسطين، وهجًرت مئات الآلاف من الفلسطينيين من أرضهم.
2- العدوان الثلاثي على مصر وغزة 1956م، حيثُ احتلت (إسرائيل) شبه جزيرة سيناء، وقطاع غزة لمدة ستة أشهر، وارتكبت مجازر كثيرة في تلك الفترة القصيرة.
3- حرب حزيران 1967م، حيثُ شنَّت (إسرائيل) حرباً على مصر وسوريا والأردن، وكان من نتائج هذه الحرب:
أ- احتلال (إسرائيل) لشبه جزيرة سيناء المصرية، وقطاع غزة الذي كان تحت الإدارة المصرية.
ب- احتلال هضبة الجولان السورية، وهي منطقة عسكرية استراتيجية مُطلَّة على فلسطين من الشمال الشرقي.
ج- احتلال الضفة الغربية التي كانت تحت الإدارة الأردنية، بالإضافة إلى منطقة وادي عربة، وهي منطقة أكبر من قطاع غزة.
٤- اجتياح جنوب لبنان 1978م، بهدف ضرب المقاومة الفلسطينية.
٥- اجتياح لبنان، والوصول إلى بيروت عام 1982م، وإخراج المقاومة الفلسطينية إلى تونس وبلدان عربية، وارتكاب مجازر صبرا وشاتيلا.
٦- حرب تمُّوز ضد المقاومة اللبنانية عام 2006م، وقد امتدَّت (33) يومًا.
٧- حرب الفرقان ضد غزة في 27 ديسمبر عام 2008م، واستمرت حتى 18يناير 2009م.
٨- حرب حجارة السِّجِّيل ضد غزة عام 2012م.
٩- حرب العصف المأكول ضد غزة عام 2014م، والتي امتدَّت إلى51 يومًا.
مع ما تخلّل الانتفاضة الأولى والثانية من العدوان على الشعب الفلسطيني، وكذلك المجازر المختلفة التي ارتكبها اليهود – ولا يزالون- ضدَّ الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها.
3- {أكثر نفيرًا}:
أيْ أكثر نفيراً من المرة الأولى في الإفساد الأول، فأنتم في المرة الأولى لم تكونوا تمتلكون من النفير وأدواته ما تمتلكون في إفسادكم الثاني.
4- {أكثر نفيرًا}:
أيْ أكثر نفيرًا من العرب، فالعرب في الغالب لا ينفرون ضدَّكم، بل يسالمونكم، ويطبِّعون معكم، ويعترفون بدولتكم، ويصمتون عن إفسادكم، ويحاربون من يقاومكم، ويلاحقون من يرفع شعار المقاومة ضدكم.
5- (أكثر نفيرًا}:
أيْ أكثر استنفاراً للدول الكبرى، لتقف معكم، وتساندكم بالمال والسلاح، وتسهًل هجرة اليهود إلى فلسطين، كما تفعل أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، وألمانيا، وكثير من دول أوروبا.
6- (أكثر نفيرًا):
إشارة واضحة إلى وقوع الإفساد الثاني لليهود في فلسطين حقيقة وواقعاً، فما نراه الآن من قوة النفير اليهودي في فلسطين هو ما تؤكده هذ الآية:
{وجعلناكم أكثر نفيرًا}.
د. نصر فحجان – غزّة