أقلام حرة

د. نصر فحجان يكتب: وحملناه على ألواح ودُسُر

لبث نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، ولقيَ منهم نفورًا وصدًّا واستهزاء كثيرًا، يقول الله تعالى:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دعَائِي إِلَّا فِرَارًا وَإِنِّي كلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ثمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ثمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} نوح/23

لكنهم مع كل محاولاته عليه السلام للتقرب منهم، وكسب قلوبهم، ظلّوا على كفرهم وعنادهم وإصرارهم على عبادة الأصنام، ومعصية الله تعالى، فما آمن معه إلا قليل.

وفي خلال هذه المدّة الطويلة من دعوة نوح عليه السلام لقومه، أرسل الله تعالى لهم رسلًا آخرين لمساندة وتعزيز نوح عليه السلام لعلهم يؤمنون،

لكنهم لم يستجيبوا، ولم يتغيروا، واستمروا في تكذيبهم لنوح ومَن معه من الرسل عليهم السلام، يقول الله تعالى:

{كَذَّبَتْ قَوْمُ نوحٍ الْمرْسَلِينَ} الشعراء/ 125، وهذا ما كان سببًا بعد ذلك في استحقاقهم لعقوبة ربهم وإغراقهم:

{وَقَوْمَ نوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً ۖ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِيمًا} الفرقان/37.

عند ذلك شعر نوح عليه السلام بأنه مغلوب ولا حيلة له بهؤلاء الكافرين المجرمين، فتوجّه إلى الله تعالى بالدعاء وطلبِ النُصرة قائلًا:

{فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ}

القمر/10، ودعا على قومه:

{وَقَالَ نوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} نوح/ 26،

فكانت استجابة الله تعالى لدعوة نوح عليه السلام ونَصره وإنجائه من الكافرين سريعة ومباشرة وفورية،

فأمره بأن يصنع الفلك (السفينة) التي سينجو بها هو وأهله ومن آمن معه، يقول الله تعالى:

{وَأوحِيَ إِلَىٰ نوحٍ أَنَّهُ لَن يؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُم مغْرَقُونَ}

هود/ 36-37.

ولم تكن هذه السفينة التي صنعها نوح عليه السلام سفينة كأيّ سفينة، فهي قد صُنعت على عين الله تعالى وبوحي منه:

{وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا}،

ولنا أن نتصور أنها كانت سفينة على أعلى درجات التقنية والتكنولوجيا في القوة والسرعة والسّعة والتطور،

وما هذه السفن والبوارج والبواخر والغواصات التي تمكّن الإنسان من صنعها في العصر الحديث،

مع ما فيها من تطور وإمكانيات، إلا من حبس ما صنع نوح عليه السلام، يقول الله تعالى:

{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذرِّيَّتَهُمْ فِي الْفلْكِ الْمَشْحُونِ} يس/ 42-41، وهو ما سنوضحه لاحقًا بإذن الله تعالى.

د. نصر فحجان

عميد‏ ‏كلية دار الدعوة والعلوم الإنسانية‏.. ومحاضر دراسات إسلامية - غزة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى