أقلام حرة

د. وصفي أبو زيد يكتب: عثمان الخميس وعُقدة الولاء والبراء

عندما يُطلق عثمان الخميس تهمة «الانحراف في عقيدة الولاء والبراء» على فئة مجاهدة من المسلمين دون أي تفصيل أو دليل، فإنه بذلك يمارس أسوأ صور التلبيس والتضليل، فكيف يُتهم المقاومون الذين يبذلون أرواحهم دفاعًا عن الأمة، بينما يُصمت عن من أقام التحالفات والتنسيقات مع أعداء الأمة على أعلى المستويات؟

لماذا يتجاهل عثمان الخميس ذكر سبب الاتهام؟

السبب الحقيقي وراء هذه التهمة الخلل في الولاء والبراء، في نظره، هو علاقة حركة حماس بإيران، لكنه لا يملك الجرأة للتصريح بذلك، لأن هذا الاتهام يقود إلى مأزق منطقي خطير لا يستطيع الخروج منه إذ يلزمه من ذلك:

 1- الحكم بالانحراف في العقيدة على جميع الدول والأنظمة العربية والإسلامية التي تقيم علاقات رسمية ودبلوماسية وتجارية مع إيران، بل وتعتبرها “دولة شقيقة”.

 2- الحكم بانحراف العقيدة على الدول التي تقيم علاقات وتحالفات علنية وسرية مع إسرائيل، بما فيها الأنظمة المطبعة التي لها اتفاقيات تجارية وأمنية وعسكرية مشتركة مع الكيان المحتل.

 3- الحكم بانحراف العقيدة على الدول التي تربطها علاقات استراتيجية بأمريكا، وهي أكبر داعم عسكري وسياسي ومالي لإسرائيل، والتي تتزعم مشاريع الهيمنة على العالم الإسلامي.

 4- الحكم بانحراف العقيدة على الدول التي تتحالف مع القوى الأوروبية الصليبية، التي تدعم إسرائيل وتشارك في سياسات تدمير الدول الإسلامية.

لكن، لماذا لا يفعل ذلك؟ لماذا يطلق سهامه فقط على المقاومة، بينما يغض الطرف عن الأنظمة التي تجهر بولائها للغرب، وتفتح أبوابها أمام التحالفات مع أعداء الأمة؟

ازدواجية المعايير بين المقاومة والأنظمة

عندما يُسأل عن الأنظمة التي تقيم علاقات رسمية مع إيران وأمريكا وإسرائيل، فإنه يجد لها «أعذارًا»، ويتحدث عن «الضغوط»، وكأن هذه الضغوط تبرر كل شيء حتى التحالف مع الأعداء!

لكنه لا يمنح نفس «الأعذار» للمقاومة، التي تعيش تحت الحصار، وتحارب الكيان المحتل، وتُجبر على البحث عن أي دعم متاح للدفاع عن الأمة الإسلامية.

إن الغيرة على العقيدة لا ينبغي أن تكون انتقائية* فإذا كان المقياس هو “الولاء والبراء”، فأين موقف عثمان الخميس من الأنظمة التي تمارس التطبيع، وتفتح أراضيها للقواعد الأجنبية، وتتآمر على المقاومة، بل وتحاصر المجاهدين؟

ما يقوم به عثمان الخميس ليس موقفًا شرعيًا منضبطًا، بل هو نموذج صارخ لعقلية تهاجم الضعيف وتتغافل عن القوي، فهو يتحدث بكل جرأة عن “انحراف المقاومة”، لكنه يتحول إلى حمل وديع حين يتعلق الأمر بالأنظمة الحاكمة.

إن هذه العقلية التي تمارس التلبيس، وتكيل بمكيالين، وتطعن في المجاهدين بينما تبرر للأنظمة، لا تصلح لأن تتولى منابر التوجيه والإفتاء في بلاد المسلمين. فالعالِم الحق هو من يقول كلمة الحق مهما كان الثمن، لا من ينحني لأصحاب السلطة ويستخدم الدين سلاحًا ضد المستضعفين.

إن الانحراف الحقيقي ليس في عقيدة المقاومة، بل في هذه الازدواجية الفاضحة التي تكشف عن عقلية مسيسة، تحاول تطويع الدين لخدمة أجندات معينة، بدلاً من أن يكون معيار الحق والعدل هو الذي يحكم المواقف والموازين.

د. وصفي أبو زيد

أستاذ مقاصد الشريعة الإسلامية، ورئيس مركز الشهود الحضاري للدراسات الشرعية والمستقبلية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights