د. وليد عبد الحي يكتب: رد الفعل الدولي على فوز ترامب
شكلت نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية مفاجأة بخاصة في حجم الفارق بين المرشحين (هاريس وترامب)،
ويبدو أن استطلاعات الرأي خلال الأسابيع القليلة الماضية مارست تضليلا واضحا لأن الفارق بين نتائج تلك الاستطلاعات
وبين ما حصل يشير إلى فارق تجاوز 40 % في معدله العام، وبخاصة مع ضمان الجمهوريين الأغلبية في مجلسي السلطة التشريعية.
ويبدو لي أن أول المبتهجين لفوز ترامب هو الرئيس الروسي بوتين وأجهزة استخباراته،
يليه رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتنياهو، أما أكثر المتوجسين خيفة من هذه النتيجة فهم الرئيس الأوكراني زيلينسكي
والرئيس الصيني شي جين بينغ، وبعض رؤساء دول الاتحاد الأوروبي، ثم تقف إيران ضمن هذه المجموعة.
ان ثقافة التاجر والبراغماتية المفرطة في فلسفة الحكم عند ترامب تشكل القاعدة لتفسير التباينات في المواقف من نجاحه،
فهو لا يعير أية قيمة للمبادئ والأخلاق والقيم والقانون الدولي إلا بمقدار المردود النفعي لهذه الجوانب،
وعليه فهو ينظر على النحو التالي:
1- لا ينظر الى حلف الناتو نظرة إيجابية، فهو يراه عبئا اقتصاديا بحكم اعتماد الحلف على النفقات الدفاعية الأمريكية..
بينما لم تستجب الدول الأوروبية الكبرى لدعوات ترامب المتكررة في رئاسته الأولى وفي حملاته الانتخابية برفع إنفاقها العسكري ومساهمتها في نفقات الحلف في حدود 3%،
فأغلب هذه الدول تنفق أقل من 2%، وهو ما يعني احتمال أن نشاهد سجالا أمريكيا أوروبيا قد يكون مفصليا في هذه النقطة.
2- يرى ترامب أن الانفاق الأمريكي على أوكرانيا يكاد يفوق مجموع ما قدمته أوروبا، وهو أمر لا يراه ترامب منطقيا، وعليه لا بد أن يعيد النظر في تفرد بلاده بتحمل هذا العبء.
3- يشكل العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة والصين ولصالح الصين أمرا مزعجا لترامب،
وعليه فانه سيعمل على زيادة تقليص ذلك بالتضييق على مجرى التجارة الصينية،
والعمل على إشغالها في صراع تايواني «إذا» لزم الامر، ليجرها نحو معدل نمو اقتصادي أقل من ناحية والاستمرار في زيادة إنفاقها الدفاعي من ناحية أخرى.
4- يبدو أنه سيستغل التوجهات السياسية الإيرانية لتعميق الهواجس الخليجية ليمارس الابتزاز مع أنظمة عربية خليجية سبق وأن قال لها بصوت مرتفع إذا تخلينا عنكم ستكون القوات الإيرانية في عواصمكم خلال دقائق،
وهو ما يعني ضرورة مساهمة هذه الدول الخليجية في تحريك دولاب الدخل للمجمع العسكري الصناعي الأمريكي.
5- يبدو لي أن مصر هي الدولة الأقل اعتناء من جانب ترامب، فهو لا يراها إلا دولة فقيرة، تشتعل النيران من حولها في ليبيا والسودان وغزة والبحر الأحمر،
وبالتالي فهي عبء لا عون، ولا أظنها ستحظى باهتمامه لا إذا وقع ما هو في غير الحسبان فيها.
6- يدرك ترامب تماما ان الكتلة العربية في وضع مَن هو «لا في العير ولا في النفير»، وهو ما يزيد من استهانته بالحقوق العربية،
فمثلما ضرب القانون الدولي عرض الحائط باعترافه بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل ونقل سفارته اليها، ولا يرى ضرورة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة،
ولكنه لن يكون بحاجة لأي دعم يهودي في المستقبل لأنه لن ينافس على أي منصب مستقبلا،
ويعلم أن إسرائيل تشكل أيضا عبئا مثل أوكرانيا، لكنه سيستغل إسرائيل لابتزاز العرب تجاريا واستثماريا وشراء أسلحة وتوظيف أسعار النفط طبقا لما يراه مناسبا،
ولا استبعد أن يستثمر العراك الإيراني الإسرائيلي بما يدر عليه من مكاسب.
وإذا كان اغلب الرؤساء الأمريكيون لا يختلفون في مضامين سياساتهم عن ترامب، إلا أنه يختلف عنهم في أنه لا يتدثر برداء حقوق الإنسان والديمقراطية،
فالرجل يطوف ويجول عاريا من هذا الرداء الكاذب، فهو صادق في براغماتيته مهما كانت قذارتها.