بحوث ودراسات

د. وليد عبد الحي يكتب: غزة.. وشخصية نيتنياهو

في تحليل عملية صنع القرار أولا واتخاذه ثانيا، يكون للشخص المسئول عن اختيار القرار من بين البدائل التي يضعها صناع القرار أهمية بمقدار ما توفره بيئة القرار من:

أ‌- درجة حريته الداخلية في اتخاذ القرار، فهل هناك قيود دستورية أو غيرها، هل القرار يتم في إطار قواعد الأغلبية والأكثرية في مجلس الأمن القومي أو توجهات الرأي العام المحلي إذا كان القرار استراتيجيا، أم أن القرار يتم اتخاذه وصناعته كما في الدول الاستبدادية من شخص واحد يحيط به ثلة من الإمعات التي لا تطلب إلا رضا «رب النعمة».

ب‌- القيود الإقليمية: أي درجة الضغوط والتسهيلات من هذه البيئة، وهنا في حالتنا هذه هي الدول العربية ومحور المقاومة.

ج‌- البيئة الدولية: تأثير القوى الكبرى بشكل رئيسي من زاوية تأثر مصالح هذه الدول، مع الاهتمام بالرأي العام الدولي في حدود العامل المساعد.

فإذا أردنا أن ننقل ذلك الى نيتنياهو أود الإشارة إلى تحليل شخصيته وبموضوعية تامة استنادا لدراسة كنت قد نشرتها قبل بضعة شهور، وعدت فيها لما كتبه نتنياهو أو الدراسات العلمية حول شخصيته، والمقالات الصحفية والمقابلات التي تمّ نشرها في الصحف الإسرائيلية من 1985 إلى 2020، ثم معلومات نقلها العاملون معه من الموظفين وخصوصاً المستشارين منهم الذين عملوا معه.

وقد تمّ تقسيم المادة العلمية إلى بعدين:

مضمون المعلومة (الفكرة المركزية ودلالتها)، ثم نوعية المعلومة وتتعلق بخمسة جوانب هي: تطوّر الشخصية عبر مراحل العمر، والعلاقة مع الأسرة، وممارسته الوظيفية، وأسلوب قيادته، وصفاته الشخصية. وقد تفاوت عدد المؤشرات التي تمّ قياسها ودراستها بين الدراسات المختلفة لشخصية نتنياهو، وبلغت في بعضها 22 مؤشراً مثل دراسات شاؤول كيمحي Shaul Kimhi الذي تتبع شخصية نتنياهو خلال فترتين تمتدان من نهاية التسعينيات تقريباً إلى سنة 2017، وهي الفترات التي كان في أغلبها رئيساً للوزراء.

من كل ما سبق توصلت إلى الآتي:

1- تقف مسالة بقائه في منصبه على رأس أولوياته، وعليه فهو يعطي هذا الجانب أهمية كبرى بخاصة إذا كان ثمن التشبث بالمنصب على حساب الآخرين (مثل الفلسطينيين وعذاباتهم).

2- يؤمن إيمانا قاطعا بـالدولة اليهودية الخالصة، وضرورة التخلص من الشعب الفلسطيني في فلسطين على حساب أي جهة أخرى. مهما تكن.

3- لا يرى في أي شكل من أشكال الخداع السياسي او الاجتماعي الفردي او الجماعي عيبا.

4- ذكي ومثقف وقارئ الى حد بعيد، لكنه إذا ارتبك في موقف ما يرتبك ارتباكا حادا.

الربط بين خلفيته الشخصية وأفكاره:

ولد بنيامين نتنياهو سنة 1949 لرجل بولندي الأصل هو بن صهيون مايلكوويسكي الذي كان والده (جد بنيامين) ناثان حاخاماً، لكن بن صهيون كان علمانياً، وكان من كبار مساعدي القيادي الصهيوني المتطرف زئييف جابوتنسكي، ومن الداعين إلى تهجير الفلسطينيين إلى خارجها لتبقى دولة يهودية نقية، وقام بتغيير اسمه البولندي إلى نتنياهو، لكن هذا الأب كان محبطاً من عدم القدرة على الاندماج مع المجتمع الأمريكي الذي عاش فيه كمؤرخ، ولم يتمكن من إيجاد العمل الذي يراه يشبع طموحه على الرغم من أنه مارس التعليم في جامعة كورنيل الأمريكية. وكان بن صهيون صهيوني يميني، تخصص في التاريخ اليهودي لا سيّما في إسبانيا، وهو من المؤمنين بفكرة «إسرائيل الكبرى»،

ولكنه بعد رفضه من قبل الجامعة العبرية في القدس للعمل فيها، انتقل ثانية إلى الولايات المتحدة، وكان طوال حياته يحمل ضغينة مريرة ضدّ مؤسسة حزب العمل والنخب الفكرية في «إسرائيل».

وقد زرع الأب في أبنائه فكرة أن الكل «عدو له»، وقد تركت هذه الفكرة آثارها العميقة على بنيامين منذ نعومة أظافره وأصبح يرى أن المؤامرة موجودة في كل مكان، وأن العالم قاسٍ بدرجة كبيرة، وزرع الأب في أـبنائه فكرة أن لا مكان فيه للإيثار أو العمل الخيري أو الصداقة الحقيقية، وأن البشر يعيشون في صراع دارويني مستمر من أجل البقاء. ولعل عمق إيمانه بالمنظور الدارويني الذي زرعه الأب في أبنائه يفسر رؤية بنيامين بأن غالبية العرب، بمن فيهم عرب 1948، يشكلون تهديداً وجودياً لـ«إسرائيل»، واتسع مضمون هذه الفكرة (التهديد الوجودي) ليشمل أركان العالم كله، وتتجسد هذه الفكرة من خلال تكرار بنيامين نتنياهو المتواصل لأفكار كانت هي الأعلى في التكرار، بعد تحليل مضمون خطاباته وتصريحاته وما ورد في كتاباته، وتتمثل هذه الأفكار المركزية في منظومته المعرفية في التالي: الارهاب الفلسطيني، معاداة السامية، خطر ايران وحزب الله، معاداة الامم المتحدة لاسرائيل،التذكير المستمر بالهولوكوست.

 

وعند الانتقال لدور أمه زيليا، و التي كانت متزوجة من نوح بن توفيم قبل زواجها من والد نتنياهو، فإننا نجد أن تأثيرها كان في جانب آخر وهو تدريب أبنائها على «الانضباط وممارسة القوة» من ناحية، كما زرعت فيهم إحساس ضرورة النجاح مستقبلاً من ناحية ثانية.

 

أما أخوته فكان الأهم شقيقه الاكبر يوناتان الذي قتلته الجبهة الشعبية في عنتيبي بأوغندا عام 1976 (كان عمر نينياهو 27 سنة)، وهو ما عزز كراهيته للعرب وزيادة ايمانه بنظرية داروين.

 

العامل الآخر الذي عزز كراهيته للعرب هو أنه شارك في الحروب ضدهم (في معركة الكرامة وكان عمره 19 سنة، الهجوم على مطار بيروت في نفس السنة،وفي حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، بل كاد يموت غرقاً في قناة السويس خلال مشاركته في عملية دمر فيها المصريون أحد قوارب عملية تسلل عسكرية إسرائيلية، إلى جانب عدد آخر من العمليات سنة 1972.

الاضطراب العاطفي في شخصية نيتنياهو:

تزوج نيتنياهو: 3 مرات: الأولى وهي مريم وايزمن (أنجبت منه ابنته)، ثم تبين لهذه الزوجة أثناء الحمل انه على علاقة مع فتاة بريطانية تعمل في مكتبة الجامعة هي فلور كيتس ودب الخلاف مع زوجته فطلقها وتزوج عشيقته البريطانية، وبعد 3 سنوات طلقها بعد علاقة عاطفية مع مضيفة الطيران سارة آرتزي وهي زوجته الحالية التي تزوجها بعد أن حملت منه خلال فترة «الحب بينهما» وأخفت عنه الحمل لتبتزه به بعد ذلك.

 

ولكي أدلل على شخصية نتينياهو وقدرته على الخداع، أورد الواقعة التالية المذكورة في مراجع أكاديمية إسرائيلية:

في سنة 1993، تلقت سارة اتصالاً هاتفياً يبلغها فيه المتحدث أن لديه شريط فيديو عن علاقات عاطفية لنتنياهو، يخونها فيه مع مستشارته للعلاقات العامة واسمها روث بار، وتضمنت المكالمة الهاتفية المجهولة تهديداً، مضمونه بأنه ما لم ينسحب نتنياهو من سباق زعامة الليكود سيتم توزيع الشريط للصحافة، وبعد عودة نتنياهو إلى المنزل، قامت سارة بمواجهته بالمكالمة، فاستسلم وبكى ندماً ثم ذهب إلى التلفزيون الإسرائيلي ليعترف أمام الملأ بأنه خدع زوجته سارة، ثم تبين لاحقاً أنه لم يكن هناك شريط فيديو للواقعة التي جرى تهديده بها، لكن نتنياهو أدرك خطورة تداعيات موضوع خيانته الزوجية على مستقبله السياسي، وقبل أن تتمكن «المافيا السياسية» التي صنعت فكرة الشريط بشكل مثير للدهشة من «ابتزازه»، تمكن بدموع البكاء على التلفزيون في أوقات ذروة الحديث عن موضوع خيانته، من التأثير على مشاعر أنصاره ومداراة جراح الزوجة، وهو ما أفسد خطة خصومه لمنع وصوله لزعامة الليكود، ودفع زوجته سارة للقول بأن «روث بار امرأة فاسدة وأن نتنياهو كان ضحية لها».

بل وترد الدراسات الأكاديمية الإسرائيلية تصريحات رسمية لزعماء قالوا أو كتبوا أن نيتنياهو كذب عليه وهم. الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والرئيسين الأمريكيين بيل كلينتون وباراك أوباما، والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل.

ذلك يعني أن على المقاومة في غزة وغيرها التعامل مع هذا الرجل على أساس أنه: كذاب جدا- قاسي إلى ابعد الحدود- كراهيته للعرب اقرب للمرض النفسي- لا يرى أي حل للصراع مع الفلسطينيين إلا بتهجيرهم خارج فلسطين، يعتبر الخداع أمرا ضروريا، يؤمن بنظرية داروين في بعدها الصراعى، ليس متدينا ولكنه يرى ضرورة توظيف الدين سياسيا حيث يجدي ذلك، خبرته العسكرية والسياسية عززت فيه العناد، لديه نرجسية في البعد العاطفي الجنسي (انه مثير للمرأة إلى حد الهوس)…هل عرفتم نيتنياهو؟..ربما.

للاطلاع على تفاصيل الدراسة الواسعة اضغط علىتحليل شخصية نيتنياهو .

د. وليد عبد الحي

أستاذ علوم سياسية، الأردن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights