مقالات

د. ياسر عبد التواب يكتب: صناعة التفاهة

مصطلح (صناعة التفاهة) مركب يجمع بين معنيبن: معنى التفاهة ومعنى الصناعة أي أن هناك من يتعمد تسويق تلك التفاهة واهتماماتها والركون إليها (يصنع) ويجعلها عملا رائجا بين الناس ويشغل الناس وقتئذ بتوافه الأمور ويشغلهم عن الجاد والمفيد منها.

وذلك بتغيير طرق تربيتهم وثقافتهم ونظرتهم إلى الأمور الجادة واستبدالها بالمبهرج والمشهور وإن كان لا قيمة له في عالم الحق والحقيقة والنفع والفائدة الدنيوية أو الأخروية وتغيير القدوات بتشويه الجادين والناصحين والمميزين خلقيا وفكريا وتسويق المنحرفين أو الهزالين أو المهتمين بالسفاسف.

وهذه صناعة جبارة تملأ عليها بقصد أو بغير قصد جماعات من المخططين في مجالات مختلفة كل يروج لها في مجال من المجالات حتى الدين لا يسلم من ترويج لقضايا لتشغل عن أخرى أهم وأولى وقل مثل ذلك عن كافة المجالات حتى الجاد منها كالسياسة والاقتصاد والاجتماع وانتهاء بالثقافة والإعلام والفن والرياضة والترفيه.

وسنتوسع في ذلك لاحقا

وهناك نظريات في الاتصال تفسر هذه السلوكيات:

– مثل نظرية الغرس الثقافي وفيها يعمل تكرار قضايا معينة كارتباط التقدم باحتقار القديم أو التراث أو بمعنى أوضح للبعض احتقار الدين وتكذيبه أو حتى ملابس المتدينين حتى يحكم من تعرض لذلك بنفسه على تلك القضايا بأي صور يراها لاحقا.

(وفي الغرب لدينا قضايا نمطية: مثل الإرهاب وادعاء ارتباطه بالمسلمين الخ) فمجرد وجود مسلم في مكان يستحضرون معاني الإرهاب ويتصرفون على أساسه.

– هناك نظرية مثل ترتيب الأجندة مثلا: وفيها يمكن إعادة توجيه المجتمع من خلال إبراز بعض القضايا من خلال التناول الإعلامي والاستعانة بالموثوق فيهم من المفكرين للترويج لها ومنحها مساحات وتنوع وكرار؛ بينما في قضايا أخرى يتم إغفالها (انظر مثلا إلى المساحات الزمنية الممنوحة للترفيه أو للفن أو للرياضة مقارنة بالجاد من مساحات التنوير أو الإبراز للنماذج الناجحة والأكفار التي تنهض بالأمم وتفيد أفرادها).

– ونظرية اهتمام وسائل الإعلام وفيها يمنح الناس درجة اهتمامهم بالقضايا مقيسة باهتمام الإعلام بإبرازها وكلما تم تجاهل الإعلام مواضيع معينة يراها الناس غير مهمة بينما العكس هو الصحيح (انظر كيف تمرر الحكومات اتفاقات قد يكون فيها هدر لحقوق الدول بتقليل تعرض الجمهور لتفاصيلها).

– وقل مثل ذلك في أساليب الدعاية المختلفة: من إبراز لزعماء وصناعتهم وسبل تحسين صورتهم وشيطنة المخالفين وذمهم وإبراز عيوبهم وهذا قد نتناوله لاحقا.

حتى صارت ثقافة المجتمعات تميل للتوافه وتقبل التافهين وتلفظ الجادين فيسهل بذلك ترويج كل ما من شأنه يضر بالمجتمعات والدول والحضارات.

إنها أيد خفية تروج وتمرر وتدفع وتكافح وتناوئ ويتلقفها البعض عن عمد أو عن غير عمد ليروج لها فتبتلى بذلك المجتمعات وتضيع أجيال.

وروى الإمام أحمد وابن ماجه وغيرهما عن أبي هريرة وانس بن مالك وغيرهما: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون، أو قال: سيأتي على الناس، أو قال: قبل الساعة، أو إن بين يدي الساعة.. سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة».. قيل: وما الرويبضة؟ قال: «الرجل التافه يتكلم في أمر العامة]. وفي لفظ عند أحمد «الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ». وفي رواية: «الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة».

وهذا الحديث علم من أعلام النبوة، وخبر صادق من الذي لا ينطق عن الهوى، وإخبار بغيب لم يقع كيف يقع حين يقع، وهو واقع لا محالة، وقد وقع كما أخبر ووصف صلوات ربي وسلامه عليه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights