سيد فرج يكتب: إشكالية القوى الوطنية المصرية

لا تعاني المكونات التي (يمكن وضعها أو يضعها البعض ويستثنيها البعض) تحت مظلة القوى الوطنية المصرية، من إشكالية داخل الدولة المصرية فقط، بل للأسف هي أحد الأسباب الأساسية لمعاناة الدولة المصرية، فيما يمكن أن نطلق عليه «إشكالية الفشل والإفشال المزدوج».
وهذا الفشل والإفشال المزدوج، في حقيقته موقف محير، ومعقد، ويحتاج أن يترجم إلى مجموعة من الأسئلة، تساعد القارئ المهتم بالشأن السياسي الوطني، على التوجه نحو المراحل التالية لفهم الإشكالية، وهنا أطرح عدداً من الأسئلة، محاولاً الإجابة عليها، لعلها تسهم في إيجاد تصورٍ كلي منظم يصلح أساساً للعمل الوطني متجاوزاً إشكالية الفشل والإفشال المزدوج، وهي على النحو التالي:
السؤال الأول: ماذا نعني بالقوى الوطنية المصرية؟
الإجابة:
أعني بها كل مواطن أو عدد من المواطنين، أو حزب أو جمعية أو جماعة، أو حركة، مؤيدين أو معارضين أو يتفاعلون حسب قراءتهم للمواقف يؤيدون ما هو صواب ويعارضون ما هو خطأ، يؤثرون في المشهد السياسي المصري أو يحاولون التأثير بهدف الإصلاح أو التغيير.
السؤال الثاني: ما المقصود بالفشل والإفشال المزدوج الذي تعاني منه القوى الوطنية المصرية؟
الإجابة:
هو أن هذه القوى فشلت في تحقيق التغيير، أو الإصلاح، الذي استهدفت تحقيقه حسب إعلانها، وهي أيضاً أحد أهم أسباب إفشال تحركاتها، وتجاربها، وفشل الدولة المصرية في تحقيق التغيير، أو الإصلاح.
السؤال الثالث: ماهي صور الفشل والإفشال المزدوج؟
الإجابة:
أولاً: (بعض صور الفشل)
– عدم الإنجاز.
– زيادة الأزمات وتعقيد المشهد.
– إعادة التدوير لمشهد الإخفاق، بآلياته، وقيادته، وتصوراته.
– الرضا عن الذات وطرح المسئولية بعيداً عن الذات.
– عزف البكائيات، واعتماد النوح، واللطم السياسي، كشعارٍ لمرحلة ما بعد الهزيمة.
– البكاء على أطلال المواقف السابقة.
ثانياً: (بعض صور الإفشال للتجربة والدولة)
– نشر الكراهية، وخطاب التحريض، والتكفير، والتخوين، والتنمر.
– صناعة الجزر المنعزلة.
– تضخيم الذات، وادعاء الأهلية.
– التواطؤ، والتحالف ضد بعضهم البعض، لقتل الإنجازات.
– حرق المراحل، وتعجل الثمرة، ومحاولة جنيها قبل أوانها.
– الطمع، والرغبة في الاستحواذ، والإقصاء.
– إدارة التنوع، داخل القوى الوطنية نحو الإفشال، والإقصاء، والاستحواذ، والتنمر، والتنكر للآخر وحقوقه.
السؤال الرابع: ماهي أزمة التصور للبيئات الحاضنة؟
الإجابة:
العمل السياسي في مصر، لا يتعلق بمحيط الحي، أو القرية، (كما يتصور البعض) بل لا يتعلق فقط بمحيط المدينة، أو المحافظة، أو حتى الحدود المترامية للدولة المصرية، بكل ما تحتوية هذه الحدود من تحديات، ومعوقات، بل يتعلق بمحيط الدولة المصرية، سواء دول الجوار، أو الإقليم، أو الدول الفاعلة في المجتمع الدولي.
أي:
أن كل عمل سياسي، يقوم به فرد أو جماعة أو حزب، داخل الحدود المصرية، توجد بينه وبين البيئة المحيطة، الداخلية، والإقليمية، والدولية، حالة من التأثير، والتأثر، وهذا مالا يدركه الكثيرون من الفاعلين السياسيين في الدولة المصرية، وعدم الإدراك لهذا خطر كبير، لأن هذا يعني العمل منفصلاً عن الواقع.
{هذا من أحد أهم أسباب الفشل، والإفشال، لأن صاحبه لا يدرك لا الضغوط، ولا المعوقات الداخلية، ولا الإقليمية، ولا الدولية}
السؤال الخامس: ماهي أزمة التصور للذات؟
الكثير من هذه القوى، سواء أشخاص أو مجموعات منظمة، لديهم أزمة في التصور، تصل إلى حد تضخيم الذات منفردة، وادعاء قدرتها على الإنجاز، كما أنها لا ترى التكامل، والتعاون، والتوافق، والتشاركية، وتوزيع المهمات حسب الإمكانيات ضرورة للإنجاز الوطني.
السؤال السادس: ماهي أزمة التصور للذات والدور داخل البيئات الحاضنة؟
إجابة هذا السؤال، هو مجموع إجابة السؤالين السابقين، وهي أن الكثير من هذه القوى، سواء اتخذت شكلاً فردياً (أشخاص) أو تنظيمياً (جماعات أو حركات أو أحزاب) تتحرك في الواقع دون أن تبصره بشكل كامل وواضح، وتحاول حمل ما لا تدركه، ومالا تقدر على حمله، لذلك يكثر تعثرها، وتخبطها، وتعاني من كسور، وصدمات، وتحطمات، وصلت إلى حد انقسام ظهرها وتمزقها.
السؤال الأخير والأهم: كيف تتجنب القوى الوطنية الفشل والإفشال؟
الإجابة:
بحسب التقصي، والاستقراء، والمتابعة، لكثير من التجارب الناجحة، تاريخياً، هناك عدد من الضوابط السياسية، أذكر أهمها من وجهة نظري، مع توضيح مختصر وذلك على النحو التالي:
1- التصور للواقع والبيئات الحاضنة على نحو مطابق:
تصور أنك تعمل في ظل دولة، كمصر، تضم قرابة 120 مليون نسمة، متنوعين في اهتماماتهم، وأفكارهم السياسية، واحتياجاتهم، ومختلفون في أولوياتهم، منهم حوالي 5% أو أكثر من المسيحين (لا أعلم إحصائية رسمية بذلك) 95% من المسيحيين، أرثوذكس والباقي كاثوليك، وانجيليين، وبروتسنانت، ويوجد طوائف مسيحية أخرى في مصر تابعة لحوالي عشر كنائس أخرى أرمينية وانجيلية ويونانية وغير ذلك.
هذا العدد الكبير، يعيش في 29 محافظة، 26 محافظة منهم، بها 4741 قرية، و30888 عزبة ونجع، كما أن مصر بها 228 مدينة، و91 حي، و188 مركزا، كل هذه الأعداد والتقسيمات ليس من السهل تقديم الخدمات (إدارة، سكن، صحة، تعليم، أمن، نقل، مواصلات، اتصالات، عمل) والخدمات الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، والتجارية، والمالية، وبناء نهضة، وجيش، فهذه الدولة الضخمة، والمترامية الأطراف، ليس من اليسير حكمها وإدارتها على نحو صحيح، ومستقر، بناء على توهمات ساذجة.
كما أن هذه الدولة لها مؤسسات وطنية، تقوم على إدارة وتحقيق مصالح المجتمع، والحفاظ على أمنه الداخلي، والخارجي، ضاربة بجذورها في عمق المجتمع، وأطرافه، بُنيت منذ عقود عديدة، وترسخت خدماتها، وعلاقتها بالمجتمع، لأنها جزء من المجتمع وهي امتداده الطبيعي، فما من أسرة إلا ولها فروع في هذه المؤسسات، ليس من السهل إدارة مؤسساتها الوطنية، فما بالك بإنشاء بديلاً لها أو موازياً لها، فضلاً عن هدمها؟
كما أن الدولة المصرية، تؤثر وتتأثر بالبيئة الإقليمية، والدولية، وتواجهها تحديات، وتهديدات، وأخطار، فأي تغيير سلبي أو إيجابي في الحالة المصرية، هو محل اهتمام، وتأثير، وتأثر، في ومن البيئة الإقليمية، والدولية، فلا يمكن تصور أن التغيرات الداخلية، لن تكون محل اهتمام، وتأثير، وتأثر، وقد تكون سبباً للتدخل في الشأن الداخلي والضغوط
2- التصور الموضوعي للذات وللقدرات داخل البيئات الحاضنة:
من الأهمية بمكان تصور البيئة المحيطة، مع التقييم الموضوعي للذات، وللقدرات، ثم تصور الذات بقدراتها الحقيقة، وإمكانياتها داخل هذا البيئة، وتحديد الإجابة على بعض الأسئلة الهامة التالية:
– ماذا أريد من هذا الواقع حالياً أو مستقبلاً وهل هذا ممكن؟
– ماذا أستطيع أنا أفعله بقدراتي وإمكانياتي في هذا الواقع الداخلي والإقليمي والدولي؟
– من أين أبدأ؟
3- وضوح الرؤية والقدرة على الفصل والتمييز:
وهنا نذكر بعض الأمثلة على ذلك:
– التمييز بين الدولة والحكومة
(فالدولة لا تسقط ولا تعارض، ولكنها تُحمى ويُحافظ عليها بالنفس والمال والولد) بخلاف الحكومة.
– التمييز بين المؤسسات وبعض منتسبيها.
(المؤسسة تبقى لضرورة عملها والمنتسب لها يتغير، ولا يصح نسبة فساد للمؤسسة، لفساد أحد أو بعض منتسبيها، فالأشخاص يُقوَّمون، أو يعزلون، أو يحاكمون، لكن لا تهدم المؤسسات التي تحفظ مصالح الشعب فتعم الفوضى والهرج)
4- تحديد الاستراتيجية والأهداف المرحلية:
(بحسب البيئة المحيطة وحسب القدرات تحدد الاستراتيجية، والأهداف المرحلية، بحيث لا يختلط المرحلي بالاستراتيجي والعكس، ويقدم المتأخر، ويتأخر المتقدم، فتحرق المراحل، ويتعجل جني الثمار)
5- وضوح الوسيلة والآليات:
{الوسائل والآليات الناجحة، هي التي تكون منضبطة، شرعاً، ومقدور عليها عقلاً، وقادرة على تحقيق الأهداف في البيئة المحيطة غالباً، مع أقل قدر من الخسائر والمفاسد، وهي الوسائل السلمية، سواء المتاحة قانوناً، أو عرفاً، أو متاحة بالحقوق الأساسية للمواطن}.
أما اعتماد التغير أو الإصلاح بطرق عنيفة، أو تفجير الفتن الطائفية، أو إشاعة أجواء التخوين المتبادل، والتكفير المتبادل، أو تحريض بعض المكونات بعضها على بعض، أو الاستقواء بالخارج أو التخبط بين جميع الطرق، فهذا يوقع في الخطأ الشرعي، والاحتراب الأهلي وهو ما يعني تدوير الفشل والإفشال.
6- تبني قواعد شرعية وسياسية منضبطة للرؤية والخطاب والسلوك والتوصيفات.
يجب أن تكون هناك قواعد ضابطة، للفرد والمجموع في الخطاب، والسلوك السياسي، حتى لا ينحرف عن المسار الصحيح والمشروع، ولا ينجرف نحو هاويات الاحتراب الأهلي، والغلو في التكفير، والولوغ في الدماء المعصومة، ويهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح.
وهنا أذكر بعض الأمثلة على هذه الضوابط الشرعية التي لها شواهد عديدة في القواعد السياسية المعاصرة مثال ما يلي:
– الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
– القدرة مناط التكليف.
– المشقة تجلب التيسير.
– لا ضرر ولا ضرار.
– الضرر يزال.
– العادة محكمة.
– دفع المفاسد مقدم جلب المصالح.
– تقديم أعظم المصلحتين ودفع أشد الضررين.
– مادامت الغاية شرعية لابد وأن تكون الوسيلة شرعية.
– الأمور بمقاصدها.
– اليقين لا يزول بالشك.
وفي الختام:
أتمنى من الله أن أكون أسهمت بالقليل من الخير، لصالح ديني وأبناء وطني الحبيب مصر.
اللهم: من أراد بمصر وأهلها ودين شعبها شراً فأنتم منه وشرده.
اللهم: من أراد بمصر وأهلها ودين شعبها المسلم خيراً فوقه لكل خير وارض عنه وأعلِّ ذكره.