الأمة الثقافية

“سيّدي مصاص الدماء”.. قصة: خالد الطبلاوي

لم أخط هذه الكلمات على الحائط الذي سأقضي بجانبه طمعًا في شفقتكم، فما أستحقها بأي وجه من الوجوه ، ولكني أحاول أن أسجل لمن جاء بعدي كيف تنتهي حياة الغافلين ، وليس أدل على ذلك من كتابتي لهذه الرسالة بما تبقى من دمائي التي تسيل من الثقوب المنتشرة في جسدي.

تبدأ مأساتي منذ ما يزيد على نصف قرن حينما أجبرت حارسي الخاص ورجاله على الرحيل واستبدلت بهم من ظننت أنه ابن الدار البار.

آه ؛ كم كانت غفلة متجذرة في قلوب وعقول العائلة، كان الفرح يعصف بما تبقى من تفكير، فباركنا كل تشويه للحارس القديم واستسلمنا تماما للإجراءات التي اتخذها الطاقم الجديد برئاسة ابن الدار.

كان نقله للذهب الذي تركه جدي للعائلة كافيا لإثارة الشك، لكننا صدقنا أنه يبعده عن أيدي اللصوص ، كل ذلك كان محتملا لأننا كنا نعده الخط الأحمر الذي لا ينبغي لأحد أن يتجاوزه حتى بدأت خلقته في التغير الغريب فقد طالت أنيابه وأظافره وأصبح شرها في مص الدماء كلما دخل الظلام.

كنا نكذب الضحايا مهما كان شأنهم ، لم يصدق أحد منا ادعاءات أيٍ من الضحايا حتى كانت الليلة الأخيرة وهي التي خططت لكم فيها هذه الرسالة، انقطع التيار الكهربائي عن المنزل فصرخت مستنجدا قائد الحرس، ولكنه لم يجبني إلا بكلمات تبث الرعب في نفسي إذ حذرني من مصاص الدماء وأمرني بضرورة البحث عن مصدر بديل للإضاءة وإلا فسوف أقع ضحية له وسيكون هو – كبير الحرس – في هذه الحالة خارج نطاق المسئولية رغم أنه تسلم كل شيء بمفاتيحه في بيتنا المشئوم .

لم تمض لحظات حتى شعرت بوقع أقدام أعرفها من قبل لكن صاحبها كان يبدو في صورة مصاص للدماء يتجه نحوي في بطء فيضطرني إلى زاوية ضيقة حيث بدأت أظافره في تمزيق ثيابي ليغرز أنيابه في بطني وصدري.

تألمت كثيرا وحاولت أن أقاوم لكن الرعب شل كل عضلات الرفض والمقاومة في جسدي ، كل ما سعيت إليه وطلبته من سيدي الذي كان خادمي أن يمنحني شيئا من المخدر أستعين به على تحمل الألم، وأن يؤجل المص من عروق رقبتي لعلي أعيش فترة أطول أملا في أن تعود الكهرباء أو يتدخل أحد الجيران أو غريب من الغرباء ليقنن مص الدماء ويجعله بمعدل يبقيني على قيد الحياة.

رمى لي بقطعة إسفنج قذرة مشبعة بالمخدر فأخذت أمصها فساهمت في نسيان ما حفظته من أمي وأنا صغير من رُقى مستمدة من المصحف كانت تحفظني في أحرج اللحظات والمواقف، تعجبت من حالي كيف أفقد ذاكرتي في مثل هذه الحالة لكني تيقنت أن طاعتنا لهذا القاتل في نبذ قيم وأصول الأجداد كانت السبب في فقد مصباح العقل.

زادت شراهته للدماء ولم تعد عروق جسدي تمده بما يشتهي، فاتجه إلى عنقي وقبل أن ينقض بأنيابه عليه نظر في عينيَّ ساخرا محتقرا ثم راح يضحك ضحكا هيستيريا بينما تمثلت أمام عيني صور كل الضحايا الذين رميتهم من قبل بالخيانة، وتردد في أذنيَّ صوت أمي بمثلٍ كانت تردده دائما عندما ترى تدليلنا لكبير الحرس الذي كانت تكرهه كره الشيطان: “سمن كلبك يأكلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى