مقالات

صفوت بركات يكتب: عودة الترامبيه

قبل نحو 8 سنوات كتبت هذا العنوان «حقبة ترامب لن تتوقف عنده» وقلت:

ومن المهم أن نعترف أن إزاحة ترامب عن صدارة السلطة بأمريكا لن يغير من الأمر شيء بل سيعجل بما هو اسوء إذ ترامب عنوان مختصر لحالة عالمية ومزاج شعبي متنامي في الغرب اسوء من ترامب وما يحمله من شعارات ديموجوجية مع عودة المكارثية ونشر كتاب كفاحي لهتلر والذى أعيد نشره بعد حظر سبعين عام ولابد ان نعلم أن هذه الحقبة ستشهد مثل ما وقع في التاريخ ولكن بصورة أسوء إذ الحضارة الانسانية اليوم أكثر هشاشة ووسائل تدميرها سهلة يسيرة ومتوفرة بكل يد لمن شاء حتى سفلة المجتمعات ولكنها اليوم كاشفة عن حكمة قاطعة أن اليمين الاقتصادي أي مذهب المحافظين في الاقتصاد والمسمى يمين اصطلاحا ليس منبت الصلة بالعنصرية واليمين الهوياتي وليس كما كان يشاع انه مذهب اقتصادي واجتهاد متحفظ في الاقتصاد والإدارة ….

البعض لا يعلم أن الحضارة البشرية موجات ولكل موجة سمة، وقيم ومعالم ومسار تحاول تحقيقه والجولة الآفلة كانت العولمة وقيمها الحرية لانتقال الافكار والاموال والسلع والخدمات …

ولكن تلك الحقبة قصرت رفاهيتها وعدالتها على رقعة جغرافية دون رقعة مما ساهمت في دخول المظلومين والفقراء للعولمة هربا عبر الجنوب والشرق للشمال والغرب وتم الترحيب بهم في بادئ الأمر ولكن بسبب الازمة الاقتصادية كانوا عبأ على حساب السكان الأصليين والقدامى من المهاجريين، والذين بلغ تعدادهم 55 مليون لاجئ ثم جاء الربيع العربي والذى حولته الثورات المضادة لجحيم وأشعلته النظم الإقليمية الملكية والقوى العظمى لحدائق خلفية لتصفية حساباتهم مع بعضهم وفرض النفوذ مما أظهر فشل النظام الدولي ومجلس الأمن والمؤسسات الأممية في معالجة الأزمات المتتالية فظهرت سوءات العولمة والتي لم تكن عادلة في بسط قيمها على كامل الجغرافيا وتركت مهمشين تحت وطأة الظلم والفقر في ظل عالم أصبح في حكم القرية الواحدة بسبب ثورة الاتصالات وتكنولوجيا الصورة الحية والمباشرة وهو ما ساهم في دخول الفقراء واللاجئين من هول الحروب العولمة قهرًا دون رغبة من الدول المضيفة لهم فكان اليمين الذى عاش على هامش العولمة وكاد ينحسر إذ به ينشط وتنشطه التشريعات القانونية والتي تمس حقوق العمال وساعات عملهم ومداخيلهم وكل ما يمس حياتهم شيئا فشيئًا مما جعل لليمين حجج حقيقية يعيد نفسه للشارع والفضاءات مرة ثانية حاملا شعار وقيم الهوية وباعث لها وبدأ بخروج إنجلترا من الاتحاد الأوربي ثم تبعه اليمين الشعبوي والعشوائي الترامبي بأمريكا.

وبسبب النظرية السياسية للعولمة والتي لم تكون عادلة في توزيع ثمراتها ومكاسبها على كامل الجغرافيا العالمية وفشل النظام الدولي ومؤسساته نشئت على هوامشها أزمات من جنسها ويرفض العالم مواجهتها هي بذاتها أو يعيد النظر وهي عولمة الفقراء والذين وجدوا الطريق للجوء والهجرة هي رد الفعل الطبيعي والذي تسمح به حرية الانتقال للبضائع وفقط والافكار والسلع والخدمات والثروات..

واليوم العالم يستتر باجترار أزمة الهوية ليواجه الفشل في النظرية السياسية والنظام الدولي

وعندما تشتعل معارك الهوية ويستدعيها مرة أخرى في هذه الموجة..

وحين وتبدأ معركة الهوية وفى رأس النظام أو القوة الأولى فيه والتي حكمته لنصف قرن أو يزيد تجد طريقها إلى كل توابعه والمناطق التي تواجه نفس العلة وتصطحب الدين والعقيدة والعرق وتكون ضحاياها بالملايين واليوم الخوف من وقوع فعل إرهابي سيستدعى رد شعوبي وليس قاصر على السلطات والمؤسسات الأمنية وفقط بفعل المناخ العام خطر أكيد وحقيقي وكان لابد من صناعة رأى عام مقاوم قبل وقوع المحظور…

وكما كانت موجة العولمة في قمتها هدمت سور برلين ثم كانت معاهدة التجارة الحرة وغيرها من معاهدات وأصبح العالم كالقبائل يتعارف ويتفاضل بقدر إسهام كل قبيلة في سد الحاجات والتنافس في حرب البشر مع الجهل وفك أسرار الكون وتسخيره لكنوزه وتفعيل البحث العلمي ثم انقلب بسبب الهوامش وضحايا تلك العولمة والتي تجنبتهم منظومة العدالة ولم تأبه لهم وقصرت العدالة على رقعة جغرافية دون رقعة أخرى وجنس دون جنس وملة وعقيدة دون عقيدة وبسبب تعارض المصالح ستكون هناك موجة والتي بدأت فعليا بحقبة ترامب وهذه سمات الموجات واتجاهاتها ولهذا حذرت من زمن مستشرفا وقوعها من عام 2012 وستفضى للأسف لمنظور اسوء بانتقال ثقل العالم إلى الصين وهي منظومة تحول البشر لآلات مما سيجعل المستقبل مظلم بكل المعاني والتصورات …

لماذا يستنهض صناع الرأي والفكر وعلماء الاجتماع بعضهم لمواجهة ترامب

لا يظنن أحد أن حرب الهوية ستستهدف المسلمين فقط فهي البداية وستشمل ملل أخرى وأعراق وأجناس أخرى وستصبح حروب الهوية كل هوية ضد الأخرى لأن حروب الهويات ستجعل العالم كله ساحة للحرب ولن يستثنى منها جنس أو عرق أو دين ولأنها أيضا تغذى العنصرية ولأنها لا تحل معضلات النظام الدولي الآنية ولا تواجه الأزمات الحالة الآن فعليا بل هي انحراف عن الحقيقة الثابتة والدامغة والتي هي غياب بسط العدالة في توزيع منجزات العولمة على كامل الجغرافيا الكونية بكل قيمها وإفساح الفضاء المحايد والعادل والمنصف لتدافع الشعوب في فضاءات أمنة للأفكار والسلع والخدمات وضمان حرية انتقال الأفراد كانتقال الأموال. 


تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في واتساب

‏تابع قناة جريدة الأمة الإلكترونية في يوتيوب

صفوت بركات

أستاذ علوم سياسية واستشرافية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights