عامر شماخ يكتب: «سيكولوجيةُ أتباعِ المستبدِّين»
يشغلني كثيرًا سلوك أتباع الظلمة الذين ابتُلينا بهم ولا وجود لهم -بالتأكيد- في الأمم الشريفة والمجتمعات المتحضرة، إنما يترعرعون دومًا في أجواء التخلف وأكناف الاستبداد وحينما تغيب قيم العدل والمساواة والحرية.
أنظر لأقوال وأفعال بعضهم ولو كانوا ذوى هيئة ووجاهة فأحمد الله الذي عافانا من هذه البَلِيَّة ومن تلك الطبيعة الدنسة والخُلق الذميم، ولم يجعلنا مثلهم دروعًا للباطل حماة للطغيان يدارون سوءات الظلمة ويضفون عليهم الشرعية زورًا وبهتانًا.
وفى اعتقادي أن هؤلاء البشر يعانون أمراضًا نفسية؛ من احتقار الذات واضطراب الهوية وإلا لما تدنوا هذا التدني، ورضوا بهذه التبعية المقيتة التي تفقدهم كرامتهم وتلبسهم لباس الذلِّ والهوان. إن انعدام الثقة بالنفس يولِّد الشعور بقلة القيمة وضعف الإرادة والشذوذ نحو الترخُّص والانبطاح ما يخالف سلوك الرجال؛ بله الإنسان.
ولا شك أن هؤلاء الأقزام، رغم حُمقهم، هم صُنَّاع الطاغوت، هُدَّام الأوطان، بموافقتهم رأيه، وتسبيحهم بحمده، ورفعهم للوائه، وضربهم بسيفه، ألا ترى إلى قوم فرعون الذين لم يُعْمِلوا عقلهم كيف فسَّقهم الله لِمَا دأبوا عليه من طاعة كبيرهم طاعة عمياء غاب عنها التفكير وانعدمت فيها البصيرة؛ (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) [الزخرف: 54].
يمر على هؤلاء الحدث والحدثان والعشرة فلا يتعظون، ويُفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذَّكَّرون، يصرّون على موالاة الباطل ومحاربة الحق، كمن أرشده الله إلى الصواب فانتكس وأصرَّ على اللحاق بموكب العبيد وسلوك طريق الهلاك، وتلك أعراض الغباء وفقدان القدرة على التمييز، كما قال المعرّى: (كمْ وعظَ الواعظونَ فينا… وقامَ فى الأرضِ أنبياء؛ وانصرفُوا والبلاءُ باقٍ… ولم يزلْ داؤُنا العياء].
وضعَ القدرُ بعضَهم في طريقي فلم يكن من مجاورتهم والتعامل معهم بُدٌ فوجدتهم أكثر الناس حرصًا على مصالحهم ولو تعدت إلى حقوق الآخرين، لديهم شراهة دنيوية وسُعارٌ مادى كريه، يأخذون ما لهم ويدعون ما عليهم، لو أُتيحت لهم السرقة دون أن يراهم أحدٌ لسرقوا، والرشوة لارتشوا، ليس لديهم مبدأٌ أو عقيدة، ورغم ذلك يرمون الشرفاء بكل عيب ونقيصة!
وإنّ من هؤلاء إعلاميين وسياسيين وعلماء وخبراء وتجار وأثرياء، لم يمنعهم ما وهبهم الله وأغناهم به من أن يخلدوا إلى الأرض ويتدنوا فيصيروا إمعات لا وزن لهم، يتَّبعون أهواءهم، ويحتكمون لغير الله؛ (وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ) [النور: 48-50].
لقد حذر الله (تعالى) في كثير من آيات الكتاب الحكيم من هذا الخلق المرزول الذي يهين صاحبه في الدنيا ويخزيه في الآخرة؛ فينهى (سبحانه) في مطلع الممتحنة عن موالاة أعداء الله أو الركون إليهم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ…) [الممتحنة: 1]؛ فإن عذابًا أليمًا ينتظر هؤلاء في الآخرة ولا مغيث لهم؛ (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) [هود: 113].
أما الخزي الحقيقي فهو تبرؤ الظالمين منهم، وإنكارهم أنهم تسببوا في غوايتهم وانحرافهم، كمثل الشيطان الذي قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين؛ (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة: 166، 167].
وأخبث من هذا الصنف من ضل بعد هُدى، وتنكب الصراط المستقيم، وهم أناس غرّتهم الأماني واستهوتهم الدنيا فانتكسوا ووالوا المستبدين، وحاربوا من ثَمَّ المصلحين الذين كانوا إخوانهم بالأمس، وهؤلاء -للأسف- ممن باعوا دينهم بمتاع حقير فلم ينالوا شيئًا منه إلا دفعوا في مقابله أشياء من دينهم كما أخبر المعصوم ﷺ: «إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيبوا من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله].