تسبّبت هزيمةُ الجيوش العربية أمام الصهاينة في اكتمال النكبة، بعدما وضع الصهاينة أيديهم على باقي الأراضي الفلسطينية باستثناء القدس الشرقية والضفة الغربية اللتين خضعتا للسيادة الأردنية، وغزة التي خضعت للسيادة المصرية، وقد احتلتهما «إسرائيل» فيما بعد في حرب عام سبعة وستين..
كان الفلسطينيون حتى دخول الجيوش العربية يحافظون على ثمانين بالمائة من أراضيهم، وحين وضعت الحرب أوزارها كانوا قد فقدوا ما حافظوا عليه ودفعوا في مقابله خمسة عشر ألف شهيد وأربعة آلاف وخمسمائة أسير..
كما أدى فارق الخبرة العسكرية والعدد والعدة بين الجيوش العربية وجيش المحتل إلى هذه الهزيمة، ناهيك عن مساندة أمريكا والغرب لقوات العدو، في مقابل التقصير الشديد من جانب الحكومات العربية في تسليح الفلسطينيين الذي كانوا على استعداد لدحر العدوان لو وجدوا ما يكفيهم من سلاح وذخيرة..
كما لم يكن هناك تنسيق بين جيوش العرب، بل لم يكن بعضها يتمتع باستقلالية التحرّك والعمل، ولم تكن لدى الحكومات إستراتيجية واضحة، في ظل غياب الدراسات السياسية والعسكرية والتاريخية عن فلسطين وخطورة المخطط اليهودي.
تعددت أسباب النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطيني، ومنها الهزيمة التي مُنيت بها الجيوش العربية، لكن تبقى الخيانات العربية للقضية هي السبب الأبرز والذي يطرح العديد من علامات الاستفهام حول دور قادة وزعامات العرب في هذه الحقبة..
كان أحد أسباب هزيمة الجيش المصري، هو نقص الذخائر وهلاك المعدات، أضفْ إليه فساد الأسلحة والقذائف التي كانت تنفجر في وجه الجنود، والتي كان الملك «فاروق» وأعوانه قد اشتروها كمخلفات معارك الحرب العالمية الثانية من سماسرة أوربيين نظير عمولات ضخمة، كما لم يكن لدى قادة الجيوش العقيدة القتالية التي تؤجج فيهم الحماس والغيرة الدينية، إلا أنهم تحت ضغط الشعوب اضطروا لخوض المعركة..
حتى السياسيون لم يكن لديهم الغيرة الوطنية لما يجرى في فلسطين، متناسين أن فلسطين جزء من الأمن القومي العربي، حتى صرح «النقراشي»، رئيس الوزراء المصري يومًا بأنه: (رئيس وزراء مصر وليس رئيس وزراء فلسطين)..
ولقد تحالف ملك الأردن «عبد الله بن الحسين» مع بريطانيا واليهود من أجل توسيع مملكته، وبما أنه كان قائد الجيوش العربية في فلسطين فإن الهزيمة صارت مؤكدة؛ حيث أمر بانسحاب القوات الأردنية من مواقعها ومنها الجليل الأعلى والنقب؛ ما تسبب في فقدان الكثير من الأراضي المخصصة للعرب، فضلًا عن كشف مواقع الجيش المصري ومحاصرته من قبل اليهود..
وكان قبول العرب بالهدنة الأولى كارثة أخرى؛ إذ بينما يعد المجاهدون أنفسهم للوثوب على القدس، أصدرت القيادات العربية أوامرها بوقف إطلاق النار لأربعة أسابيع كانت بمثابة قبلة الحياة لليهود.
انقشع غبار النكبة عن نشوء الكيان الغاصب، والذي زُرع كخنجر في قلب الأمة فاصلًا بين آسيا وأفريقيا العربيتين، وبثّ عدم الاستقرار السياسي والأمني في المنطقة، غير استباحته للمقدسات الإسلامية، وقد أنشأ جسورًا جوية لجلب المستوطنين من قارات الدنيا حتى صارت له الأغلبية السكانية..
كما خلّفت النكبة محنة الفلسطينيين المزمنة بعد فقدان وطنهم وضياع أرضهم وتهجير غالبيتهم عن أراضيهم ليقيموا في المخيمات أو في الشتات كلاجئين؛ حيث تستوعب المخيمات في الداخل وفى دول الطوْق (الأردن، سوريا، لبنان) نصف إجمالي السكان تقريبًا، في ظروف بالغة السوء، يحاصرهم الفقر والغربة والمعاناة الشاقة للحفاظ على الهُوية ودفع الاعتداءات المتوالية عليهم..
وحتى من بقوا في أرضهم فقد بقوا مشرّدين يعانون النزوح ومحاولات التطهير العرقي من جانب اليهود..
ولم تنته النكبة عند هذا الحد، بل تبعتها نكبات أخرى تعرّض فيها الفلسطينيون لما تعرضوا له في النكبة الأولى؛ إذ جاءت هزيمة عام سبعة وستين أقسى وأمرّ من سابقتها، فَقَدَ خلالها العربُ الكثيرَ من الأرواح والعتاد، واستولى الصهاينة على ما تبقى من فلسطين (القدس والضفة وغزة) وسيناء والجولان، كما شُرِّدَ أربعمائة ألف فلسطيني، وتمدد الاستيطان، وصادر المحتل معظم المزارع الفلسطينية.