عامر شماخ يكتب: «للتذكرة».. لماذا انهزمنا عام 48؟ [1/ 3]
يشير مصطلح «نكبة عام 48» إلى إبادة وتهجير شعب بكامله، والاستيلاء على أرضه، ومحاولة تدمير هُويته، كما يشير إلى بداية المشروع الصهيوني العنصري في المنطقة، والذي دمّرت عصاباتُه في سبيل ذلك ما يزيد على خمسمائة قرية ومدينة فلسطينية، وارتكبت أكثر من سبعين مجزرة قُتل فيها عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وقامت بالتهجير القسري لقرابة تسعمائة ألف شخص هم نصف السكان العرب في فلسطين آنذاك، يستوطنون إلى يومنا هذا المخيمات في داخل فلسطين وخارجها كلاجئين..
وإذا كانت تلك النكبة تشير إلى مؤامرة عالمية قادتها بريطانيا لطرد الفلسطينيين من بلادهم وتسليمها للصهاينة، فإنها تشير أيضًا إلى خيانة عربية، تشكّلت على أثرها القضية الفلسطينية، التي حملت معها تبعات مأساوية لا زال الشعب الفلسطيني يتجرعها منذ ثلاثة أرباع القرن.
توافرت خطوات غربية ويهودية مهّدت للنكبة قبل وقوعها بنحو نصف قرن؛ ففي خلال الحملة الفرنسية على العالم العربي نهاية القرن الثامن عشر نشر «نابليون بونابرت» بيانًا يدعو فيه إلى إنشاء وطن لليهود على أرض فلسطين تحت حماية فرنسية؛ بهدف تعزيز الوجود الفرنسي في المنطقة، لكن لم تنجح هذه الخطة التي أعاد البريطانيون طرحها في منتصف القرن التاسع عشر حين دعا «المؤتمر الصهيوني» إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين، وتمكّنت بريطانيا قبل ذلك، وتحديدًا في عام ألف وثمانمائة وتسعة وثلاثين، من إقامة أول قنصلية لها في القدس، وجّهت معظم جهودها لحماية الأقلية اليهودية في فلسطين والتي يبلغ عددها آنذاك تسعة آلاف وسبعمائة شخص..
وفى الثاني من نوفمبر عام ألف وتسعمائة وسبعة عشر صدر «وعد بلفور»، وهو رسالة كتبها وزير الخارجية البريطاني «آرثر بلفور» إلى «البارون روتشيلد»، أحد زعماء اليهود في بريطانيا، يشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي للصهاينة في فلسطين، وكان هذا الوعد المشئوم بداية النكبة وسبب الحروب والويلات التي زادت على قرن من الزمان.. وبعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في أعقاب الحرب العالمية الأولى خضعت فلسطين للانتداب البريطاني الذي بدأ تنفيذ مخططه لبناء دولة يهودية على أرض فلسطين.
بموجب قرار الانتداب الصادر من عصبة الأمم في سبتمبر عام اثنين وعشرين، حكمت بريطانيا فلسطين في الفترة من عام ألف وتسعمائة وثلاثة وعشرين إلى عام ألف وتسعمائة وثمانية وأربعين، قامت إستراتيجيتها خلالها على تجهيز وطن لليهود تمهيدًا للحظة إعلان دولتهم المشئومة، توسّعت بريطانيا خلال هذه الفترة في استقدام مئات الآلاف من اليهود الأوربيين إلى فلسطين، وسلّموهم آلاف الدونمات من أراضيها، فتضاعفت نسبتُهم من ستين ألف يهودي أثناء الحرب العالمية الثانية إلى ستمائة ألف بعدها بعام واحد، وتضاعفت كذلك مساحة الأراضي التي يملكونها، وبلغ عدد مستعمراتهم ثلاثمائة مستعمرة، وقام اليهود من أجل نزع الهُوية العربية وطمس الجغرافيا الفلسطينية بإعادة تسمية الأماكن والمواقع بأسماء عبرية..
وقد قُوبل ذلك بانتفاضات وثورات فلسطينية عارمة بدأت بثورة البراق عام تسعة وعشرين وانتفاضة عام ثلاثة وثلاثين وثورة القسام عام خمسة وثلاثين، ثم الثورة الكبرى ما بين عامي ستة وثلاثين وتسعة وثلاثين، والتي تخللها إضراب شامل أربك المحتل الإنجليزي الذي زاد من قواته بشكل كبير حتى نجح في سحق الثورة، فوجد الفلسطينيون أنفسهم أمام عدوَّيْن، فلم تنجح –من ثمَّ- كل هذه المواجهات في إيقاف عملية الهجرة اليهودية المتسارعة التي تم التخطيط لها بشكل محكم وبتواطؤ من المنظمات الدولية.
في التاسع والعشرين من نوفمبر عام سبعة وأربعين -وكان العرب يملكون أربعة وتسعين بالمائة من أرض فلسطين- وافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، بحيث يكون لليهود ستة وخمسين بالمائة من مساحة البلاد، وللعرب نسبة ثلاثة وأربعين بالمائة، وتدويل منطقة القدس التي تقدّر بواحد بالمائة من المساحة الإجمالية، وقد رحّب الصهاينة بالقرار لما أضفاه من شرعية على فكرة بناء دولتهم، بينما شعر العرب بالغبن والإجحاف، ومنذ هذا القرار وحتى آخر هدنة بين جيوش العرب وإسرائيل في يوليو عام تسعة وأربعين تم تدمير ما تبقى من فلسطين العربية وتدشين الدولة العبرية..
ورغم رفض ملوك ورؤساء العرب لقرار التقسيم، ورغم انتفاضات الشعوب العربية والإسلامية لمؤازرة إخوانهم في فلسطين –فإن الحركة الصهيونية، مدعومة من بريطانيا وباقي دول الغرب، قامت بشنِّ حربٍ سمّتها «حرب الاستقلال»، ارتكبت خلالها عشرات المذابح ضد الفلسطينيين، وقامت بعمليات تفجير واسعة، وتدمير للقرى، وتصاعدت حدة القتال بشكل كبير.. وفى هذه الأثناء، وتحديدًا في العاشر من مارس عام ثمانية وأربعين، صوّت مجلس العموم البريطاني بإنهاء الانتداب على فلسطين، وعَمَدَ الإنجليز إلى التخلِّي عن عتادهم وذخائرهم لليهود لتقوية شوكتهم، وشددوا في المقابل الحصار على العرب حتى لحظة مغادرتهم أرض فلسطين. [يتبع].