عامر شماخ يكتب: لمَاذا حرّم اللهُ الذُّل؟

يحرِّم الإسلامُ الذل، بجميع أشكاله، ويبرأ من كل مسلم يقبل العيش على أنقاض العزة والكرامة.. ذلك لأن الجهر بالحق وإنكار المنكر لا يقرِّب أجلًا ولا يباعد رزقًا، يقول النبي ﷺ: «ألا يمنعن رجلًا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه، فإنه لا يقرِّب من أجل ولا يباعد من رزق، أن يقال بحق أو يذكَّر بعظيم».

إن الذي يعطى الدنية في دينه، لأي سبب، يقع في دائرة سخط الله، ويعرِّض المجتمع الإسلامي للفتنة والخطر.. والذي يظن أنه يفعل ذلك تقيةً مخادع ومتقوِّل على الدين ما ليس فيه، فإن المسلم مرفوع الرأس عالي الكعب، نزيه.. أما المتردد الطامع فيما في أيدي الآخرين فلا كرامة له ولا مروءة.

إننا -للعجب- نلمح معاني العزة عند خير الخلق محمد ﷺ في أوقات عصيبة مرّت به؛ يمكن أن تعطى لصاحبها العذر في التنازل والمساومة، غير أنه سلك -رغم هذه الظروف القاسية- مسلك الثبات وعزة النفس.. لقد حاول الكفار مساومته على دعوته لكي يجهضوها -بظنهم- في بدايتها؛ باحتواء زعيمها، إلا أنه أطلق جملته المشهورة التي تنذر كل مساوم مترخص: «والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري، على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه، ما تركته».. هي إذًا الثقة في الله، واليقين في نصرته، وعدم الخوف من البشر ولو اجتمعوا كلهم عليه.. لقد خافت إحدى بناته عليه في هذا الوقت، فقال بلسان المتوكل على الله: «يا بنية، لا تخشى على أبيك غيلة ولا ذلة».

لقد أطلق الإسلام -في أول مجيئه- مبادرة، تضمن سلامة المجتمع من الآفات الاجتماعية والنفسية، وتجعل هذا المجتمع بريئًا من الطبقية والاستبداد.. لقد جعل الرابطة التي تحكم هذا المجتمع هي رابطة الدين والعقيدة، ومن ثم فالمسلمون جميعًا، العربي منهم وغير العربي، يتمتعون بكفالة هذا المجتمع، وحمايته، لا فرق في ذلك بين صغير وكبير أو غنى وفقير أو أحمر وأسود، يقول النبي ﷺ:» المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم»، ويقول ﷺ مؤكدًا مبدأ المساواة بين المسلمين: «إخوانكم [أي الخدم] خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يقل عبدي ولا أمتي، ولكن ليقل فتاي وفتاتي وغلامي». 

وليس لمسلم عذر في المسكنة وطلب الحاجات بذلّة ورخاوة، أو بمعصية الله، فإن الذين تُطلب منهم الحاجات لا يملكون قضاء حوائجهم؛ فكيف يستطيعون قضاء حوائج غيرهم.. يقول النبي ﷺ: «إن روح القدس نفث في روعي: أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته».  

والمسلم من أجل عزته وكرامة أمته، يخوض المنايا غير آبه لما يجرى عليه من تصاريف الأقدار؛ لأنها لا تخرج عن إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، أو التمكين أو العذاب العذب في سبيل الله… وفى كلتا الحالين فإنه مقدام جسور، مستعين بالله، غير عاجز ولا متشكك.. وهذا عين ما صرح به عبد الله بن رواحة في مؤتة، عندما رأى ترددًا في الجيش، قال: «يا قوم، والله إن التي تكرهون للتي خرجتم لها تطلبون: الشهادة، وما نقاتل الناس بعدد ولا كثرة، وإنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فإن يظهرنا الله به فربما فعل، وإن تكن الأخرى فهي الشهادة، وليست بشرِّ المنزلتين».  

عامر شماخ

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights