عامر شماخ يكتب: مستقبل القضية الفلسطينية [1/ 2]
يشهد الواقع والتاريخ أن القضية الفلسطينية هي قضية حقٍّ وعدل، قضية شعب مظلوم رازح تحت احتلال غشوم؛
لذا لن يستطيع أحدٌ أن يوقف جهاد هذا الشعب قبل انتهاء هذه المأساة، التي يقف العالم إزاءها موقف المنافق المتخاذل..
فلسطين حقٌّ للفلسطينيين، من نهرها إلى بحرها. من أجل ذلك فإنهم يبذلون الأرواح والمُهج في سبيل تحريرها،
كما هي حقٌّ لنحو ملياري مسلم حول العالم، فهي قلب الشرق، وموطن المقدسات،
وبها بيتُ المقدس أولى القبلتين وثالث الحرمين، وموطئ النبيين والصديقين، وهي بذلك جزء من العقيدة الإسلامية،
وأرضُها وقفٌ على جميع المسلمين لا يجوز لأحد، كائنًا من كان، أن يفرّط أو يتنازل عن شبر منها؛
فهي ليست ملكًا للفلسطينيين أو للعرب وحدهم، بل ملك للمسلمين أجمعين..
وهذا ما أبقى جذوة القضية حية، رغم تعاقب الأجيال، بل كلما زادت الاعتداءات الصهيونية على الفلسطينيين ازداد يقينهم بعدالة قضيتهم،
وازداد الأمل في انتصار الحق، واستبشروا بعلوّ العلم الفلسطيني على عموم دولتهم التاريخية،
وتحطُّمِ أطماع وأساطير الصهاينة على صخرة المقاومة وصمود وبسالة حاضنتها الشعبية،
مهما امتلك المحتلُّ من أسلحة وعتاد، ومهما تلقَّى من دعم ومساندة غربية وأمريكية.
القضية الفلسطينية هي قضية محورية
ورغم مرور ثلاثة أرباع قرن على نكبة عام ثمانية وأربعين، ورغم الأحداث والتقلّبات الدولية المتسارعة، لا تزال القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للعالميْن العربي والإسلامي..
ورغم جرائم الصهاينة التي لا تتوقف، لا يزال الشعب الفلسطيني صابرًا صامدًا، مُصرًّا على مقاومة المحتل واسترداد أرضه ومقدساته.
ثمانية عقود من النضال ضد محتلٍّ لم يفهم معنى إيمان هذا الشعب الأبي بحقه في أن يعيش حرًّا في وطنه دون شريك مغتصب..
لقد كان رهان الصهاينة على فكرة أن القضية ستنتهي بموت جيل النكبة، وتفكيك المقاومة،
وتهجير الفلسطينيين وإحلال اليهود محلهم، بالتزامن مع محاولات طمس الهُوية..
لكنْ خسروا رهانهم بالكلية، فلم تستطع «إسرائيل» تصفية القضية رغم عدوانها غير المسبوق،
بل حدث العكس؛ إذ مع مرور الوقت بدأت القضية تطفو على السطح، بفضل المقاومة التي يحتضنها شعبُها، والتي عزّزت هُويته، وأعطته الأمل بإنهاء الاحتلال..
طوفان الأقصى يدفع القضية الفلسطينية للصدارة
وقد جاءت أحداث «طوفان الأقصى» لتصدِّر القضية إلى الواجهة العالمية، ولتخلق وعييْن:
وعيًا عالميًّا بالحق الفلسطيني في الأرض والمقدسات،
ووعيًّا وطنيًّا لدى الأجيال الجديدة بحتمية رفض المحتل، ومقاومته بالساعد والسلاح، وإزالة آثار النكبة التي مُنيَ بها آباؤهم وأجدادهم.
لن تموت قضية فلسطين لاعتبارات عدة؛ منها طبيعة المشروع الصهيوني الاستيطاني، الذي يهدف إلى التخلص من أصحاب الأرض بالإبادة والترحيل،
وهذا تقديرٌ خاطئ، فالفلسطينيون –وهم شعبٌ عُرف بتجذره في أرضه- قد شُحنوا ضد المغتصب بما فيه الكفاية،
وتجرعوا على يديه صنوف الذلّ والقهر؛ ما جعلهم كالإعصار في مواجهة الطغيان،
وهو أكبر تحدٍّ لدولة الكيان التي فشلت في تأمين نفسها حتى أنها لم تلقِ السلاح منذ تأسيسها عام ثمانية وأربعين،
وقد بقي الفلسطينيُّ جنينًا في أحشائها لم تستطع التخلص منه منذ هذا التاريخ،
ولو تخلّصت منه في الداخل فلن تستطيع التخلص من فلسطينيي الشتات، الذين اعتبرهم البعض هم المقاومة الحقيقية، وذاكرة الوطن المشحونة بالمحن..
طوفان الأقصى أشعل الوعي الإسلامي بالقضية
كما شكّلت عملية السابع من أكتوبر انتعاشًا للوعي العربي والإسلامي بالقضية، فالعرب والمسلمون الذين عانوا الهزائم المتكررة في فلسطين، شعروا –ولأول مرة- بالفخر والاعتزاز بما جرى يوم السابع من أكتوبر، وبأن إجرام الصهاينة وأفعالهم اللاإنسانية،
وانتهاجهم سياسة الإبادة الجماعية في حق المدنيين العزّل، على مرأى العالم ومسمعه،
وتحللها من كافة المواثيق الدولية –لهو كفيلٌ بزعزعة هذا الكيان وتراكم أزماته،
وفي المقابل زيادة التعاطف الشعبي مع القضية، عربيًّا وإسلاميًّا ودوليًّا، ما يجعلها عصيَّةً على النسيان.
مثَّلت التجربة الجهادية الفلسطينية في مواجهة اليهود مخزونًا لا ينضب في القدرة على مواجهة التحديات، والحفاظ على الذات،
ومن ثم الحفاظ على جوهر القضية، بأبعادها المتعددة، وجعلها عصية على الطمس والتذويب،
وهو خيارٌ وحيد أمام الفلسطينيين، في مواجهة خيار الذل والاستسلام، الذي ينتهي في مرحلة لاحقة بتسليم أرضهم طوعًا أو كرهًا لليهود.