عبد السلام العمري البلوشي يكتب: مكانة اللغة العربية المباركة
اللغة العربية المباركة هي من أسمى وأغلى وأثرى اللغات الحية التي تتمتع بها الشعوب العالمية، هي لغة ثرية لا تضاهيها لغة أخرى في الفصاحة والبلاغة والازدهار والنمو والانتشار، يكفيها فخراً وعزاً خاطب الله عباده بها، وأنزل أشرف كتاب على أشرف الناس بها، هذه اللغة المباركة لها دور كبير في فهم الشريعة الإسلامية،
فمن أراد أن يتضلع ويتبحر في فهم علوم الشريعة فلابد له من تعلمِ هذه اللغة المباركة، السبب المشئوم الذي ادخل مدارسنا إلى العقم العلمي هو عدم تعلم اللغة العربية، كلُ متخرج يعد نفسه ممثلاً ومندوباً عن الشريعة الإسلامية وحضارتها وثقافتها مع ذلك يجهل لغتها وثقافتها وحضارتها، كلُ مفتي يفتي ويصدر الفتوى دون أي معرفة من لغة الفقه والسنة، دوائر الإفتاء انخدعت بالفتاوى المؤلفة بغير العربية، المفتي يفتي من فتوى فارسية أو أردية أو بشتوية، فيصبح هذا العلم عادة له، بدلاً عن يستخرج الفتوى من المصادر الفقهية المهمة التي يستند إليها الأمة الإسلامية والفقهاء والمحدثون.
فهم القرآن والسنة ينحصر في فهم اللغة العربية، مع الأسف عقمت مدارسنا الشرعية في صناعة رجالٍ يغوصون في بحار لغة الضاد، أزمة اللغة العربية خلّفت مدارسنا إلى العقم العلمي والفشل الفكري، هذه اللغة تنتج الأفكار وترتوي منها العقول الصافية وتنهل من ينابيعها النفوس التوّاقة وتطير بها إلى السماء، هي تثبت عقل الإنسانية وتنمِّيها وتطوِّرها.
قد آن الأوان أن تتأهب المدارس الدينية والأكاديميات والمراكز اللغوية تبدأ دورها التعليمي في نشر اللغة العربية وتبذل قصارى جهودها في نشرها، اللغة هي التي تجمع الشعوب على كلمة واحدة وقلب واحد، أواصر اللغة العربية جمعت العرب ووحدتها، العلماء انتهزوا هذه اللغة واجعلوها لغة مجتمعكم ومدارسكم، علِّموا تلاميذكم اللغة العربية، اجبروهم على دراسة اللغة العربية.
من أكبر المشاكل في مدارسنا عدم اهتمام المعلمين والطلاب باللغة العربية، فالمستوى الأكاديمي لكل أستاذ مساوٍ لمعرفته باللغة العربية، ولا ينبغي للأستاذ الذي لا يعرف اللغة العربية أن يقوم بتدريس الكتب المهمة لأنه يضيع حقوق الطلاب ومستقبلهم، لذلك يجب على المدارس الدينية أن تبذل قصارى جهدها وتصنع جوًا عربيًا للمعلمين والطلاب.
يجب أن يكون لكل مدرسة برنامج خاص لتعليم اللغة العربية، وتشكيل لجنة استشارية ولديها توافق في الآراء من أجل النهوض بتعليم اللغة العربية، واستخدام خبرات العلماء وخبراء اللغة العربية لتنظيم برنامج خبير ومحسوب بعناية، ويطلب الطلاب عليهم تعلم اللغة العربية يجب أن تبدأ حركة اللغة العربية في مدارسنا.
في كل مدرسة، يجب أن يتكلم الطلاب اللغة العربية، وأن يلقيوا الخطب بالعربية، وأن يكونوا عربياً في الفكر والثقافة واللهجة.
يجب أن تنتشر ثورة جديدة في مدارسنا، على كل طالب أن يعتبر نفسه جنديًا وداعيًا للغة والثقافة العربية، وأن يستخدم كل حواسه الخمس لتعلم اللغة العربية ونشرها في مجتمعه، کونوا دعاة إلى العربية وحضارتها وثقافتها ونشرها، عرِّبوا أفكاركم و ثقافتكم و حضارتكم، اجعلوا العربية لغة بيئتكم و مجتمعكم.
إنَّ تعلُّمَ اللغةِ ضرورةٌ لفهم القرآن، فقد قال الإمام الشاطبي رحمه الله: «مَن أرادَ تفهُّمَ القرآنِ فمن جهة لسانِ العرب يُفهم، ولا سبيلَ إلى تَطَلُّبِ فهمِه من غيرِ هذه الجهةِ». وذهب ابن تيمية إلى أنَّ معرفةَ اللغةِ واجبٌ وفرضٌ؛
فقال رحمه الله: واعلم أنّ اعتيادَ اللغةِ يؤثِّرُ في العقل، والخُلُقِ، والدينِ تأثيرًا قويًّا بيِّنًا، ويؤثِّر أيضًا في مشابهة صدرِ هذه الأمَّةِ من الصحابة والتابعين، ومشابهتَهم تزيدُ العقلَ والدينَ والخلقَ.
وأيضًا فإنّ نفسَ اللغِة العربيّةِ من الدين، ومعرفتَها فرضٌ واجبٌ، فإنَّ فهمَ الكتابِ والسنَّةِ فرض، ولا يفهمُ إلاّ بفهمِ اللغةِ العربيّةِ، وما لا يتمُّ الواجبُ إلاَّ به فهو واجبٌ.
فقد قضى الإمامُ الشافعي عشرينَ سنة، يغترفُ من فيضِ اللغةِ العربيةِ، وما تعلقَ بها من علوم، ليتفقَهَ في الدينِ الإسلامي، ويفهمَ مصادرهُ التشريعية، وهو من قال: «أصحاب العربية جِنُّ الإنس، يُبصرون ما لم يبصرْ غيرُهم».
من شروطِ الاجتهاد، والترجيح بينَ أقوالِ الأئمةِ، وبيان مواطنِ الضعفِ والقوةِ، والصوابِ والخطأ، هو معرفة اللغة العربية، ومن يملكُ هذهِ الملكة مؤهلٌ لذلك.
من لا يعرف قواعدَ اللغة العربيةِ، ومقاصدَ الخطابِ العربي، لا يسلم من الوقوعِ في خطأ في الفَهمِ، ويكونُ استباطه للأحكام من القرآن والسُنة، بعيدةً كُل البعدِ عن المقاصِد التي جاءَ بها الشرع.
يقول عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه: «تعلَّموا العربيةَ؛ فإنها من دينِكم، وتعلَّموا الفرائضَ؛ فإنها من دينكم».
وكتب على بن أبي طالب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «أمَّا بعد، فتفقهوا في السنةِ، وتفقهوا في العربية، وأَعْرِبُوا القرآنَ فإنه عربي» وفي توجيهِ علي هذا أمران الأول الدعوةُ إلى فقهِ العربية والثاني الدعوةُ إلى فقهِ الشَّريعة.
3- قال أبو بكر رضي الله عنه: «النحو كالملحِ في الطعام لا يُستغنى عنه”، وروى أبو نعيم في رياضةِ المتعلِّمين عن ابن شبرمة، قال: “زين الرِّجال النحو، وزين النِّساء الشَّحم».
مصطفي صادق الرافعي رحمه الله: «ما ذلّت لغة شعبٍ إلاّ ذلّ، ولا انحطّت إلاّ كان أمره في ذهابٍ وإدبارٍ، ومن هذا يفرض الأجنبيّ المستعمر لغته فرضاً على الأمّة المستعمَرة، ويركبهم بها، ويُشعرهم عظمته فيها، ويستلحِقهم من ناحيتها، فيحكم عليهم أحكاماً ثلاثةً في عملٍ واحدٍ: أمّا الأول فحَبْس لغتهم في لغته سجناً مؤبّداً، وأمّا الثاني فالحكم على ماضيهم بالقتل محواً ونسياناً، وأمّا الثالث فتقييد مستقبلهم في الأغلال التي يصنعها، فأمرُهم من بعدها لأمره تَبَعٌ»
قال شُعبة «إذا كان المُحدِّث لا يعرف النَّحو فهو كالحمار يكون على رأسه مخلاة ليس فيها شعير» (شعب الإيمان للبيهقي)
قول المستشرقة الألمانية الدّكتورة في الفلسفة أنا ماري شيمل، والتي ترجمت القرآنَ الكريمِ إلى الألمانية: «واللغةُ العربيةُ لغةٌ موسيقيّةٌ للغايةِ، ولا أستطيعُ أن أقول إلاّ أنها لا بُدَّ أنْ تكونَ لغةُ الجنّةِ».
كذلك قال المستشرق الألماني يوهان فك: «إن العربية الفصحى لتدين حتى يومنا هذا بمركزها العالمي أساسياً لهذه الحقيقة الثابتة، وهي أنها قد قامت في جميع البلدان العربية والإسلامية رمزاً لغوياً لوحدة عالم الإسلام في الثقافة والمدنية، لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر، وإذا صدقت البوادر ولم تخطئ الدلائل فستحتفظ العربية بهذا المقام العتيد من حيث هي لغة المدنية الإسلامية»
قالت المستشرقة الألمانية زيغريد هونكة: «كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمالَ هذه اللغة ومنطقَها السليم وسحرَها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة، فلقد اندفع الناس الذين بقوا على دينهم في هذا التيار يتكلمون اللغة العربية بشغفٍ، حتى إن اللغة القبطية مثلاً ماتت تماماً، بل إن اللغة الآرامية لغة المسيح قد تخلّت إلى الأبد عن مركزها لتحتلّ مكانها لغة محمد»
قال المستشرق الألماني كارل بروكلمان: «بلغت العربية بفضل القرآن من الاتساع مدىً لا تكاد تعرفه أيُّ لغةٍ أخرى من لغات الدنيا، والمسلمون جميعاً مؤمنون بأن العربية وحدها اللسانُ الذي أُحِلّ لهم أن يستعملوه في صلاتهم…» وقال د. جورج سارتون: «وهبَ اللهُ اللغة العربية مرونةً جعلتها قادرةً على أن تدوّن الوحي أحسن تدوين… بجميع دقائق معانيه ولغاته، وأن تعبّر عنه بعباراتٍ عليها طلاوة وفيها متانة»