مقالات

د. حاكم المطيري يكتب: «الإفادة في أحكام الجهاد والشهادة»

‏الجهاد لـتحرير أرض فلسطين فرض عين -بالنص والإجماع- على كل مسلم مكلف، كل بحسب استطاعته، وهو من باب جهاد الدفع، ويترتب عليه ما يلي:

‏١- ثبوت الشهادة لمن قتل فيه لعموم النصوص كما قال ﷺ: (من قاتل دون ماله فقُتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دينه فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون دمه فقتل فهو شهيد، ومن قاتل دون أهله فقتل فهو شهيد).

‏فالمسلمون الذين يُقتلون في غزة اليوم ظلما وعدوانا اجتمع لهم وصفان يوجب كل واحد منهما وصف الشهادة وأحكامها:

‏ الأول: لمن قاتل منهم دون نفسه أو أهله أو دينه أو ماله فقُتل.

‏والثاني: لمن قُتل منهم مظلوما بالقصف، وإن لم يقاتل كالنساء والأطفال والشيوخ، كما جاء في “دليل الطالب” في فقه الحنابلة: (وشهيد المعركة والمقتول ظلما، لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ويجب بقاء دمه عليه).

‏وشهيد المعركة كما نص عليه الفقهاء:

هو كل قتيل من المسلمين في حربهم الكفار، صالحا كان المسلم أو فاسقا، سنيا كان أو بدعيا، كما في فتح الباري ٣/ ٣٠٩ (باب الصلاة على الشهيد): (قال الزين بن المنير: والمراد بالشهيد قتيل المعركة في حرب الكفار)، قال ابن حجر: (ولا فرق في ذلك بين المرأة والرجل، صغيرا أو كبيرا، حرا أو عبدا، صالحا أو غير صالح) انتهى.

‏فلا خلاف بين العلماء في أن كل مسلم يقتله الكفار في المعركة شهيد في أحكام الدنيا له خصوصية ليست لغيره من موتى المسلمين، كما ثبت في الكتاب والسنة، ولا يقتضي ذلك القطع له بالجنة والشهادة له بها، كما قال الحافظ في الفتح ٦/ ٩ في باب (لا يقال فلان شهيد) : ( أي على سبيل القطع بذلك إلا إن كان بالوحي، وإن كان مع ذلك يعطى أحكام الشهداء في الأحكام الظاهرة، ولذلك أطبق السلف على تسمية المقتولين ببدر وأحد وغيرهما شهداء، والمراد بذلك الحكم الظاهر المبني على الظن الغالب) انتهى كلام ابن حجر.

‏٢- كما يترتب على وجوب الجهاد عليهم وجوب نصرهم على من وراءهم من الأمة الأقرب فالأقرب، فإذا ثبت أن المسلمين في فلسطين في جهاد دفع للعدو، وأنه يجب عليهم قتاله فرض عين، فالنصرة واجبة على الأمة من ورائهم، بالنفس والمال والكلمة، لعموم الأدلة وللإجماع، كما قال قال ابن حزم في المحلى ٧/ ٢٩٢ (إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيثا لهم) وقال الجصاص: (ومعلوم في اعتقاد جميع المسلمين أنه إذا خاف أهل الثغور من العدو على بلادهم وأنفسهم وذراريهم أن الفرض على كافة الأمة أن ينفر إليهم من يكف عاديتهم عن المسلمين وهذا لا خلاف فيه بين الأمة)، ولا يلتفت للخلاف المذهبي والطائفي، بل الحكم الشرعي منوط بثبوت وصف الإسلام العام، ولهذا قرر الأئمة أن الجهاد ماض مع كل إمام برا كان أو فاجرا، سنيا كان أو بدعيا، لمراعاة المصالح الكلية التي تتحقق للأمة بالجهاد، وكما قال صديق حسن في “الروضة الندية” ص ٣٣٣ عن الجهاد وأحكامه :(هذه فريضة من فرائض الدين أوجبها الله على عباده المسلمين من غير تقيد بزمان، أو مكان، أو شخص، أو جور، أو عدل).

‏٣- ولا يشترط لمشروعية جهاد الدفع أي شرط، فما زال المسلمون في كل عصر يقاتلون من دهم أرضهم دفاعا عن أنفسهم طلبا للشهادة ونكاية بالعدو وحماية للحرمة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى المصرية ٤/ ٥٠٨ (قتال الدفع عن الحرمة والدين واجب إجماعا فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان).

‏فيدفع ولو بالحجارة كما في حاشية البيجوري الشافعي ٢/ ٤٩١ عن جهاد الدفع: (أن يدخل الكفار بلدة من بلاد المسلمين أو ينزل قريبا منها فالجهاد حينئذ فرض عين عليهم، فيلزم أهل ذلك البلد حتى الصبيان والنساء والعبيد والمدين، ولو بلا إذن من الأولياء، والأزواج، والسادة ورب المال الدفع للكفار بما يمكن منهم ولو بضرب بأحجار ونحوها) انتهى.

‏ولا يشترط كذلك تأهيل لقتال، أو توفر إمكانات، أو ظن تحقق نصر، كما قال الخطيب الشربيني الشافعي في الإقناع ٢/ ٥١٠ (الحال الثاني من حال الكفار أن يدخلوا بلدة لنا فيلزم أهلها الدفع بالممكن منهم، ويكون الجهاد حينئذ فرض عين سواء أمكن تأهيلهم لقتال أم لم يمكن، ومن هو دون مسافة القصر من البلدة التي دخلها الكفار حكمه كأهلها وإن كان في أهلها كفاية؛ لأنه كالحاضر معهم، فيجب على كل من ذكر حتى على فقير وولد ومدين ورقيق بلا إذن، ويلزم الذين على مسافة القصر المضي إليهم عند الحاجة بقدر الكفاية دفعا لهم فيصير فرض عين في حق من قرب وفرض كفاية في حق من بعد) انتهى.

‏٤- وللمجاهد قتل نفسه لحماية من وراءه كما أفتى بذلك الشيخ محمد بن إبراهيم للجزائريين في جهادهم المحتل الفرنسي، كما في مجموع فتاواه ٦/ ٢٠٨ إذا خشي المجاهد أن يؤسر فيعترف بأسرار المقاومة الجزائرية، لأنه جهاد مشروع، وأن من يقتل نفسه لمصلحة الجهاد وحماية المجاهدين وراءه مأجور قياسا على قصة النبي يونس، وقصة الغلام وأهل السفينة كما في الصحيح.

د. حاكم المطيري

الأمين العام لمؤتمر الأمة ورئيس حزب الأمة، أستاذ التفسير والحديث - جامعة الكويت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى