د. حسن سلمان يكتب: سوريا وتجدد المسار الثوري

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله الأمين أما بعد:
عندما يحاول الإنسان إعلان سطوته على الأرض ويحسب بأنه غيب الإله عن الفاعلية والتأثير حتى يبلغ به الأمر القول (بموت الإله)
ثم يجعل من نفسه مركزا للكون محاولا السيطرة على الطبيعة حينها يتدخل الغيب (الله) ليعرف الإنسان بحقيفته وتقزيم فاعليته وأن حركته محاطة بالإرادة والقوة الإلهية قال تعالى:
(وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا)
(إِنَّمَا مَثَلُ ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدّنۡیَا كَمَاۤءٍ أَنزَلۡنَـٰهُ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ فَٱخۡتَلَطَ بِهِۦ نَبَاتُ ٱلۡأَرۡضِ مِمَّا یَأۡكُلُ ٱلنَّاسُ وَٱلۡأَنۡعَـٰمُ حَتَّىٰۤ إِذَاۤ أَخَذَتِ ٱلۡأَرۡضُ زخۡرُفَهَا وَٱزَّیَّنَتۡ وَظَنَّ أَهۡلُهَاۤ أَنَّهُمۡ قَـٰدِرُونَ عَلَیۡهَاۤ أَتَىٰهَاۤ أَمۡرُنَا لَیۡلًا أَوۡ نَهَارࣰا فَجَعَلۡنَـٰهَا حَصِیدࣰا كَأَن لَّمۡ تَغۡنَ بِٱلۡأَمۡسِۚ كَذَ ٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ لِقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ)
يونس/٢٤.
ومن خلال النظر في سطوة الطغيان والاستبداد المحلي والعالمي يبدو لباديء الرأي بأنهم تحكموا في كل شيء وليس لنا إلا الاستسلام لجبروتهم ولكن منطق الإيمان يختلف عن المنطق المادي المحض لأنه يوقن بأن للكون رب يدبر أمره وليست إرادة ومشيئة الخلق غالبة ومهيمنة بل هي محكومة ومضبوطة بحاكمية الله الذي له الخلق والأمر ومن هذا المنطق قد يبدو للناس بعض التصرفات البشرية كالحروب بأنها شر محض ولا تحمل في طياتها مآلات خير ولكن تأتي مع الوقت خيرات لا تخطر بالبال يكون نفعها على البشرية كلها وإن كان ضحاياها بعضهم.
تقويض أركان الجاهلية
والناظر لجهاد الأمة شرقا وغربا في ديار الإسلام وهي تواجه الحملات الصليبية يجد بأن كل جهاد ومقاومة يصب في النهايات في تقويض أركان الجاهلية وهيمنتها على الأرض فقد كان الجهاد الأفغاني الأول تقويضا لأقوى امبراطورية وهي الاتحاد السوفيتي والتي بسقوطها تحررت العديد من الشعوب المسلمة ثم كان الجهاد الأفغاني في دورته الثانية ضربا للشق الآخر من النظام الدولي وهو مجموعة الناتو التي عجزت عن إخضاع الشعب الأفغاني وهي تقتله بكل ما لديها من قدرات تسليحية ومع ذلك خرج الناتو وهو يجر أذيال الخيبة والعار.
وفي ذات الوقت واجه الشعب العراقي العدوان والاحتلال الأمريكي على بلاده مواجهة شرسة ولولا تواطؤ بعض القوى الطائفية محليا وإقليميا لما كان للأمريكان بقاء في العراق.
وفي قلب الأمة المسلمة حيث بيت المقدس ظل الشعب الفلسطيني يواجه العدوان الصهيوني لعقود طويلة ومع ذلك لم يستسلم وذلك يقاوم بكل السبل وكان آخرها حرب طوفان الأقصى والتي لا زالت مستمرة لأكثر من عام وقد شارك فيها العديد من القوى الدولية والإقليمية كل بما يستطيع وفي ظل حصار شامل على قطاع غزة وقد كشفت هذه الحرب عن حقيقة النظام الدولي الصهيوصليبي المتجرد عن كل قيم الأخلاق الحميدة والذي يمارس قتل المدنيين ويعمل على التطهير العرقي دون قدرة مما يسمى بالنظام الدولي على فرض قوانينه ونظمه التي لا يفرضها إلا على الشعوب المستضعفة.
أمة الإسلام تواجه الاستبداد الداخلي
وقد عاشت أمة الإسلام طوال العقود الماضية وهي تواجه الاستبداد الداخلي المتساند مع الاحتلال الخارجي كما ظلت تواجه حالة توظيف الأقليات الدينية والطائفية حيث استخدم العدو الخارجي هذه المجموعات في تعطيل حركة الأمة ونهضتها وأتاح لها هوامش من التحرك والنفوذ المتحكم فيه لضرب شعوب الأمة وأكثريتها وقد حصل ذلك في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وقد أهدرت هذه المواجهات الكثير من الطاقات والقدرات في الصراعات الداخلية التي استفاد منها العدو الخارجي في تثبيت أركانه وإطالة مدة وجوده وبقائه على أرض الإسلام.
وهذا المكر الكبار من الأعداء (ومكروا مكرا كبارا) (وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال) لا يخفى على الله تعالى المتصرف في هذا الكون بل يقابل مكرهم بمكر يؤدي بهم إلى الزوال من حيث لم يحتسبوا والإحاطة بهم بشرط التقوى والصبر من أهل الإيمان كما في قوله تعالى:
( إِن تَمۡسَسۡكُمۡ حَسَنَةࣱ تَسُؤۡهُمۡ وَإِن تصِبۡكُمۡ سَیِّئَةࣱ یَفۡرَحُوا۟ بِهَاۖ وَإِن تَصۡبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا یَضُرُّكُمۡ كَیۡدُهُمۡ شَیۡـًٔاۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا یَعۡمَلُونَ محِیطࣱ)
آل عمران/١٢٠،
ومن خطورة المكر والكيد التباس الأمر حتى على أهل الجهاد والمقاومة والعلم والفكر والسياسة حيث تباينت المواقف تجاه الموقف مثلا من المشروع الصفوي الإيراني لطبيعة التشابك والتعقيد في العديد من القضايا فهو مثلا في قمة التخادم والتنسيق في العراق واليمن مع كل من أمريكا وبريطانيا وفي مواجهة حادة معهم في فلسطين ولبنان كما أنه في ذات الوقت في تخادم مع روسيا في العديد من البلدان ومنها سوريا والتي يتخادم فيها أيضا مع أمريكا في ضرب الثوار السنة تحت حجة محاربة الإرهاب ويكون ذلك تحت حماية الغطاء الجوي الأمريكي في أكثر من حالة في سوريا والعراق.
التوظيف للحالة الشيعية الطائفية
ويبدو أن التوظيف للحالة الشيعية الطائفية قد تجاوزت حدودها أو استنفدت أغراضها أو دخلت في تحالفات مع قوى دولية تشكل خطرا وجوديا على النفوذ والسيطرة الغربية في الشرق الأوسط وبالتالي يتطلب ذلك نوعا من التحجيم وتضييق مساحات التمدد وهذا قد يجعل قوى إقليمية لها علاقاتها وتحالفاتها مع الغرب تدخل لتغتنم فرصة التحجيم هذه وهذه القوى هي تركيا والتي ترى بأن سوريا هي جزء من المجال الحيوي والأمن القومي في حدودها الجنوبية وهي حصيفة في قراءة التحولات الدولية والإقليمية فاغتنمت هذا التراجع في نفوذ المحور الصفوي الإيراني لتتقدم عبر حلفائها من قوى الثورة السورية وبالفعل كانت الجاهزية تامة والفرصة متاحة والتدافع الكوني يسمح بهامش من التقدم وبشكل غير متوقع فقد استطاعت الثورة السورية من استعادة العديد من المدن والبلدات السورية في حلب وحماة لتوسع من مساحتها في ظل حالة من الانهيارات المتتالية لجيش النظام وبالتالي فقد تغيرت المعادلة كثيرا إذا ما حافظت قوى الثورة السورية على هذه المساحات.
وبطبيعة الحال لسنا ممن تحمله العاطفة لنتصور بأن الطريق مفروش بالورود أمام الثوار في سوريا بل التحديات كبيرة والعقبات واضحة ووجود قوى دولية على الأرض ومعادية لقيام أي حالة سنية في الشام نستوعبها جيدا إضافة إلى الكيان الصهيوني الذي ظل يعمل جاهدا لحماية وحراسة الأقليات بما فيها نظام الأسد حتى لا تجاوره دولة سنية في الشام السوري كل ذلك يجعلنا نتعامل بحذر مع المعطيات الجارية ونتفهم بأن الثورة السورية تحتاج لبعض الوقت وكثير من الجهود والفاعلية لتحقيق الأهداف الكبرى في التحرير والنهضة.
وأن الدولة التركية الناهضة والثورة السورية المتجددة بحاجة ماسة للتنسيق والتفاهم والعمل المشترك لتشكيل رافعة إسلامية لعموم الأمة المسلمة كما أن القوى الثورية في المنطقة العربية مخاطبة بتفعيل قواها وتحشيد جمهورها وتجديد خطابها وتحديد بوصلتها لتستفيد من المجريات الحديثة في المنطقة.
والله الهادي إلى سواء السبيل