قرار المسعود يكتب: من صميم الذاكرة
من المعلوم أن كل أمة تتعرض لطمس أو تزييف تاريخها وذاكرتها نتيجة ظروف معينة، فهي معرضة للزوال وذهاب أصلها إن لم يتم استدراك ذلك بالوجه الصحيح، ففي الجزائر بعد الاستقلال تطرق الكثير من خلال برامج أعدت عبر المحطات الزمنية في مسألة كتابة التاريخ أو إعادة الذاكرة ونظرا للظروف والمراحل لم يسمح في الشروع أو إتمام العملية سواء في كتابة التاريخ أو في إعادة ذاكرتنا من الخارج.
فبعد ستين سنة، أصبح مطلوب بناء الدولة والمجتمع في شخصية مكتملة على أساس المرجعية الأصلية في كل مكونات الأمة وفي مقدمتها التاريخ والذاكرة كمبدأ لا مفر منه في الاستقرار والطمأنينة واحترام الأحداث كما هي والاعتراف بالحقوق وإرجاعها إلى أهلها أو ذويهم ورفع الغطاء على كل لبس أو خطأ في التدوين سهوا حسب الحاجة.
في اعتقادي ما تلح عليه السلطة وما تقدسه في هذا الموضوع يعطي ارتياحية تسهل التلاحم والتكاتف في المجتمع مما يزيد صلابة بنية الدولة.
فالتوجه الذي جاء كظرف أساسي ومحوري متجدد للمجتمع الجزائري هيأ الوقت لتكون الشجاعة والقناعة والإخلاص ونكران الذات لتفادي ومعالجة الأحداث التاريخية التي دونت من طرف المستعمر الذي ليس له الكفاءة ولا الدراية ولا الحقيقة حتى نأخذ ما كتبوا وصرحوا به كمرجعية في كتبنا ومرجعيتنا التاريخية ونتخلى على مَنْ مازالوا على قيد الحياة وعاشوا الأحداث بتفاصيلها.
إن أمانة كتابة التاريخ والتصريح بالأحداث عمل عظيم وخيانة وإثم في حق الشعوب وبناء الدول إذا كان هذا العمل بغير تأكد أو عن قصد أو من باب الشهرة.
بالنظر إلى ما وصلت إليه الجزائر من ناحية أخذ المسؤولية في هذا المجال و تمكن جيل الجامعة الجزائرية المحصن بحرية الوصف الحقيقي للأحداث التاريخية المزود بما ترمي إليه الرؤية الحالية التي تعتبرها وديعة الشهداء وأمانة للأجيال القادمة بأن يتخذوا الحقيقة كما هي حتى يبنوا معارفهم على اليقين (هناك مجتمعات في عصرنا تجهل هوياتها لأنها مزيفة) فبالمقدار الذي أعطي من خلال تعاهدات الرئيس في حملته 2019 أو تصريحاته عبر وسائل الإعلام لأهمية الذاكرة وإتمام كتابة التاريخ بأيدي أهله يكون أضمن وأصدق لعدم زعزعة كل ثابت من المبادئ الأساسية للدولة.
فإتمام أو تصحيح الأحداث التاريخية للمقاومة وثورة التحرير المجيدة أصحبت شرعية مادام المجتمع مهيأ وواعي بمساهمته في تركيبة المسار الساعي إلى تثبيت الهوية الوطنية على أسس أكاديمية علمية لمرحلة الفترة الاستعمارية 1830-1962.
1- مرحلة المقاومة
فالنسبة لهذه المرحلة، كل المشاهد والبطولات في مرحلة المقاومة منذ دخول المستعمر من سيدي فرج لم يتم إحصاؤها كاملة وتدوينها بالقدر المطلوب.
لقد كانت طموح المرحوم الرئيس هواري بومدين ثورات في وجدانه: ثورة ثقافية -زراعية- صناعية، الذي تتكلم وتلح عليها اليوم الجزائر الجديدة.
فالمساهمة من الذين يمتلكون وثائق أو روي لهم أحداث أثناء المقاومة الباسلة أو لهم صلة مع الأبطال، أنه حان وقت مع باحثي الجيل المخلص لوطنه وللأمانة من الجامعة الجزائرية أن تكون هذه الوثائق او التصريحات وغيرها مصونة وموثقة في حفظ ذاكرة الشعب كله الذي يطالب بها وتلح عليها السلطة.
حتى تكون رؤية واضحة وشفافة وحقيقية التي يعتمد عليها المجتمع في كل مجالاته العلمية والتربوية. وليس من العار أو عدم الإدراك تصحيح ما نستطيع فعله بالتي هي أحسن. لأن في حقيقة الأمر ما زال العبث إلى يومنا هذا في بعض المناطق ولا يتكلم عليه الإعلام وخاصة في الولايات الداخلية.
ولعل إقرار إنشاء اليوم الوطني للذاكرة من حق الجيل لمعرفة أجدادهم وتدون الأحداث وأنه تهيأ الوقت لوضع مرجعية لتاريخنا في مصف ثبات حقيقة الأحداث وإعطاء لكل ذي حق حقه. في نفس المجال يقول المفكر مالك بن نبي، حتى نكتب واقعنا بأيدينا “إن المعجزات الكبرى في التاريخ مرتبطة دائما بالأفكار”
2- مرحلة الثورة التحريرية
من الطبيعي أن تستمد الأمة لفترة من زمن بعد الاستقلال بما هو مدون وموجود لديها من المصححين في بقايا المستعمر كإرث تاريخي. لكن لا يجب أن نركز على مرجعية المستعمر.
والمعركة الآن هي محاربة الاستعمار فكريا وكنس كل ما تبقى من أفكاره من كل شيء.