كارم عبد الغفار يكتب: سراب الإنجاز
♦ إن إهدار زهرة العمر في البحث عن إنجاز ضخم، والتعامل مع الله والناس وأنفسنا بخاصية (الكَبشة والكم)، هو حبل المشنقة الذي نلفه متعمدين حول أعناقنا وعنق أي إصلاح، خاصة في المجال العام.
♦ تكاد قدمك يا حسن تتقدم كي تصلح أو تفعل أي خير لذاتك أو لغيرك، فيحقره الشيطان في نظرك، ويتضاءل العمل في عينك أمام ضخامة القبح الذي يحيطك؛ فتتراجع واضعًا عقلك في كفك وقلبك في جيبك، ولو حسبنا عدد التراجعات في حياتنا عن أفعال رأيناها تافهة في حينها، لوجدنا أننا هدمنا جبالًا.
♦ في أكثر من موقف ذبح النبي شهوة (الكَم) لدى الصالحين، بإغراء العمل الهيّن: (اتق الله ولو…)، (بلغوا عني ولو…)، (لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو…)، (لأَن يهدي الله بك رجلًا واحدًا…)[كلها في البخاري ومسلم].
♦ المعروف الذي تراه تافهًا من وجهة نظرك، قد يكون حلقة تتعلق بأختها ضمن سلسلة يصنعها معك غيرك وغيركما، فتفتح باب حياة لنفسك وللآخرين، وكم من جالس في صالة الانتظار متجهًا للانهيار أو الانتحار، فيدركه معروفك فيرد إليه أنفاسه!
♦ قد يكون إرشادك لضال أو حمل عن مثقل أو بسمة طيبة في صباح الموظفين المكتئبين أو كلمة في محلها أو صلح أو تعليم صبي أو إبداء سماحة، أحد المعينات على الحياة أو مخففات الآلام أو جابرة خاطر أو فاضحة ظالم أو طاقة نور في زمن العتمة، أو دفنًا لجنين حقد كاد يولد في قلب مأزوم محروم، أو صيانة لنفسك من حياة السوء ومصارع السوء.
♦ تنقُل سلوى العوا عن أحد الكتاب الغربيين في «مذكرات معلمة»: «لسنا معنيين بإنقاذ العالم وحدنا أو بمنع الشمس من السقوط، ما نحن معنيون بفعله هو أن نملأ مؤقتًا شقًّا صغيرًا ضيقًا لبرهة قصيرة ثم نستريح».
♦ عندما قال النبي: (سبق درهم مائة ألف درهم)[حسنه الألباني]، وعندما قال صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يمشي في طريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفر له)[بخاري]، وحكايته لحديث المرأة البغي [مسلم].. كان تأكيدًا مستمرًّا على حتمية تجاهل الكم، والابتعاد عن نفق تسويف الإصلاح انتظارًا للإنجاز الضخم الذي هو مجرد سراب؛ فلا يحيط بدائرة المنفعة في الحياة ومصبات أنهار القدر إلا الله {لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا}.
♦ فلا تعرف موقع درهمك أو بسمتك أو ربتتك أو كلمتك أو تضحيتك من تروس حياتك أو حياة الناس؛ فقد يكون عملك الذي تراه هينًا تحفيزًا لصالح أو تعطيلًا لطالح أو إعانة لضعيف على شيطان أو عضة نملة في عصا سلطان.
{ألم تر كيف ضرب الله مثلًا كلمة طيبة!}