مقالات

مجاهد مأمون ديرانية يكتب: كلمة لا بد منها

وددت أن يقول هذه الكلمةَ غيري وأسكت، لكني لم أطق السكوت وأنا أرى كثيرين من أعلام الثورة وحَمَلة أقلامها منجرفين في تيار غاضب صاخب يدعم موقف العدو ويروّج روايته (من حيث لا يشعرون) في خطاب أحادي حادّ لا يكاد يذكر جرائم وانتهاكات الطرف المعتدي، فيرشّ الملح على جراح لمّا تلتئمْ حينما يتجاهلُ عذابات وتضحيات الملايين.

لقد كنت -ولا فخر- من أوائل الذين حذّروا من الانتقام الأعمى والقتل العشوائي، ولعل مقالة «مناشدة» التي نشرتها على رأس عشرين شهراً من شهور الثورة كانت من أجراس الإنذار المبكرة في هذا السياق، وقد غضب مني يومَها كثيرون من الأحبة والأصحاب الذين وجدوا ما كتبته فيها ألطفَ من أن تُسيغَه نفوسُهم المشحونة بالمرارة والغضب، وكان مما كتبته فيها:

يا أيها المسلمون، يا أيها المجاهدون: احذروا الانتقام الأعمى والقتل العشوائي. لا تستهدفوا إلا من قاتل أو أعان وظاهَرَ على قتال، لا تعتدوا على طفل ولا امرأة ولا على بريء كبير أو صغير.

«أخي المجاهد: أنت اليوم مقاتل مسلّح، ولكنك كنت قبل اليوم مسلماً وستبقى مسلماً غداً، والمسلم لا يَصدر في أفعاله عن هواه إنما يصدر عن شرع ربه، والشرع يقول لك إن الناس لا يُقتَلون بسبب انتماءاتهم ومعتقداتهم ولكن بسبب أعمالهم وتصرفاتهم، فمَن حارب حورب ومن قاتل قوتل، ومن اعتزل فلم يمدّ يداً بسوء فلا سلطان لك عليه، ولو كان علوياً أو يهودياً أو بوذياً أو كائناً ما يكون».

***

كان هذا موقفي وما يزال، ولسوف أجرّم قتلَ أي مدني بريء من أي عرق أو طائفة اليومَ وفي أي يوم من الأيام، لكني لن أنسى -وأنا أصنع ذلك- السياق الطبيعي للحوادث الأخيرة والطرف الذي بدأ بالغدر والعدوان. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن الأيام القليلة التي شهدت تلك الحوادث المؤسفة كانت أياماً مصيرية في تاريخ سوريا، وأن الحرية التي حصلنا عليها بعد صبرِ وتضحيات ستّين سنة كانت في مهبّ الريح. ولن أنسى -وأنا أصنع ذلك- أن أجمع مع إدانة قتل الأبرياء من الطائفة العلوية إدانة قتل الأبرياء من السنّة وإدانة الغدر بقوات الأمن العام.

يا أيها الكرام: لا ريب أن قتل الأبرياء جريمة لا يقبلها عاقل، فضلاً عن مسلم يعرف عاقبتها الفظيعة في دار الحساب، ولكن انظروا بكلتا العينين لا بإحداهما، وتحدثوا عن ضحايا الانتهاكات من الطرفين بالقوة نفسها، ولا تملّوا من إعادة التذكير بمليون معذب وشهيد وفقيد ما يزال أكثرُ قاتليهم ومعذِّبيهم طُلَقاء يعيشون آمنين من العقاب.

ولا تنسوا أخيراً أن تؤكدوا ما اعترف به الأوربيون اليوم: إن المسؤول عن كل ما حصل في الساحل في الأيام الأخيرة هم فلول النظام البائد الذين بدؤوا بالعدوان ويتحملون وزر كل قطرة دم سالت في هذه الفوضى وكل نفس بريئة أُزهقت بغير حق.

ولعل المَلوم الأكبر هو الإدارة الجديدة التي تقاعست في الشهور السابقة عن تحقيق العدالة بقوة القانون فاحتقنت نفوس الناس حتى انفجرت أخيراً في موجة غضب عارم، فإن المجرمين الذين ولغوا في دماء الأبرياء آلافٌ أو عشرات ألوف أكثرُهم معروفون بأعيانهم، فإن لم يُعلَّق منهم في ساحة المرجة في كل شهر مئة (وكدت أقول: مئة في كل أسبوع) فلن يرتاح الموتى في قبورهم ولن يتوقف أولياء الدم عن السعي إلى العدالة والانتقام، وإذن فأذنوا بانفجار يُنسي الناسَ كل ما سبقه من انفجارات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights