مقالات

محمد نعمان الدين الندوي يكتب: صلاح الدين الأيوبي.. «بطل الإسلام المنتظر»

شخصيات أعجبتني: (٢٨)

[صلاح الدين الأيوبي] اسم معروف.. لا يمكن أن يكون هناك مسلم على وجه الأرض، ولم يطرق أذنَه هذا الاسم..

اسم حبيب.. بل كل رجل يخفق قلبه بالإيمان، لا يمكن أن لا يدق قلبه بالحب لصاحب هذا الاسم الجليل، والاعتزاز به، والدعاء له، والترحم عليه.

اسم يخضع – لدى ذكره – الجبينُ احترامًا وتقديرًا..

اسم صار رمزًا للبطولة والفداء، والغيرة والتضحية والإباء..

 صاحبُه بطلٌ، تعتز به البطولة نفسها وتحييه.. والغيرة ذاتها تشرف بنسبتها إليه وتحييه..

وإذا قلنا: إن صاحب هذا الاسم الجليل صار له نوع من القداسة.. لم نُتَّهَم – على ما أظن – بالتطرف، أو المبالغة في تقدير الرجل، وإعطائه من المكانة أكثر مما يستحق..

لأن الرجل ارتبط اسمه بإحدى أعظم المقدسات الإسلامية.. بأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.. المسجد الأقصى المبارك، الذي منه عرج برسولنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى..

فصار له ارتباط دائم بالحب والخلود، والعظمة والجلالة، والسمو والرفعة..

 فلا يمكن أن يمحى هذا الاسم من سجل الخالدين المحبوبين إلى يوم القيامة.

والحقيقة أن جميع المسلمين مدينون.. محبون.. مقدرون لصاحب هذا الاسم العظيم، فقد كان طهر المسجد الأقصى المبارك، والقدس الشريفة الحبيبة من دنس المحتلين الآثمين..

وهو عملٌ -عمل تطهير المسجد الأقصى- من العظمة والقداسة والجلالة بمكان، بحيث لا يمكن مجازاته بكلمات الشكر والمدح والتقدير العادية..

والله سبحانه هو الذي يجزي صاحبَ هذا العمل التاريخي العظيم بما يستحقه…

لقد كتب الكاتبون وألف المؤلفون عن مأثرة صلاح الدين الأيوبي الخالدة، فأكثروا وأحسنوا.. وسيظلون يكتبون ويؤلفون ما بقيت السماوات والأرض، لأن الرجل خلَّد اسمَه بعظمة عمله، وجلالة بطولته، فاستحق هذا التبجيل والتسجيل، والتكريم والتقدير، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.

وكل من كتب أو يكتب أو يتحدث إلى يوم القيامة عن صنيع الرجل، لن يزيد من قيمته أو أه‍ميته.. بل ليحصل بذلك على شرف الكتابة فيه، والأجر على ذلك..

وكما أشرت إلى أن الرجل صار رمزًا للبطولة والغيرة، واسمه مرتبطًا بالقدس والمسجد الأقصى للأبد…

فكما يقال:

 «ردة ولا أبا بكر لها».

 و: «قضية ولا أبا حسن لها».

كذلك إذا قلنا:

«قضية فلسطين.. ولا صلاحَ دينٍ لها».

لم نخش من يُخَطِّئُنا أو ينكر علينا قولنا..، بل لا نجد إلا المصوبين المؤيدين لقولنا..

فالوصفة الأيوبية هي الوصفة الناجحة الناجعة لحل القضية..

وكل وصفة – ما عدا هذه الوصفة – إضاعة للوقت، وذرّ للرماد في العيون، وكتابة على الماء، وجرّ للقضية إلى الوراء.. وتسفيه وتضليل..

إنها – الوصفة الأيوبية – وصفة مستفادة من صيدلية الوحي المباركة..

إنها وصفة التضحية والبطولة، والجهاد والقوة، وصفة: «رباط الخيل»، وصفة: «الإرهاب» بالإعداد التام الذي يكافئ عدة العدو..

وقد جربنا وَصَفات عديدة من المفاوضات والمؤتمرات والاتفاقيات، والتكفف في الأمم المتحدة، والتضرع إلى الذين ساقوا إلينا الوباء، وسلطوا علينا المشكلة، وزرعوا الفتنة في أرضنا..

فقد ثبت عدم جدوى جميع هذه الوصفات.. إنها لم تزد القضية إلا تعقيدًا وارتباكًا، وأصحابَها إلا خنوعًا واستسلامًا، وارتماء تحت أقدام الغزاة الجناة المجرمين، الشذاذ الأفاقين..

لماذا؟

لأن وسائل الحل هذه كانت عقيمة.. كسراب بقيعة.. مبعدة من الحل.. لا مؤدية إليه..

والعجب نحن نعرف الحل.. وهو قريب منا.. بمتناول أيدينا.. ولكننا لم نحاول استعماله..

الحل.. هو الحل الوحيد.. الحل الأيوبي.. العاطفة الأيوبية.. البطولة الأيوبية.. الغيرة الأيوبية.. القلق الأيوبي.. التوجع الأيوبي.. الخطة الأيوبية..

وفي إيجاز شديد:

حرارة الإيمان..

 رسوخ اليقين..

 صدق الوفاء للدين..

الاستماتة في سبيل الحق..

 الاستهانة بكل صعوبة ومشقة..

 التضحية بكل عزيز وغال في سبيل المبدأ والشرف والكرامة..

الهمة العارمة والعزيمة الصارمة..

وغير ذلك من الصفات الأيوبية الإيمانية السامية.. التي كانت حررت فلسطين – بفضل الله وتوفيقه وعونه – أمس.. هي التي تحررها اليوم بفضل الله وتوفيقه وعونه!

فهي الحل.. وهي المفتاح لقفل القضية..

إنه – المفتاح – مفقود معروف في وقت واحد..

مفقود من عملنا وواقعنا، معروف في ماضينا وفي ميراث سلفنا..

إنه المفتاح الذي فتح به عليّ كرم الله وجهه باب خيبر، كما فتح به عمر صروح كسرى وقيصر.. وهو نفس المفتاح الذي كان فتح به صلاح الدين باب فلسطين في حطين.

والحل بعيد قريب معًا.. بعيد بسلوكياتنا وتصرفاتنا، قريب بهمتنا وعاطفتنا..

هذا. والأمة تنتظر اليوم: «صلاح الدين الثاني»..

وتنتظر معركة: «حطين الثانية»..

ومن يدري أن الحرب الدائرة في غزة اليوم ستسفر عن: «معركة حطين الثانية»، التي ستؤدي إلى تحرير فلسطين إن شاء الله!

ومن يدري لعل الله يرينا: «صلاح الدين الثاني» من بين أبناء: «غزة» الأبطال المجاهدين المغامرين، الغر الميامين، الذين يسجلون بمقاومتهم الإيمانية من أروع صور التضحية والفداء، والبطولة والوفاء، ما ذكّروا به تضحيات الصحابة، وأعادوا تاريخ بطولاتهم من جديد بعد أربعة عشر قرنًا.

وما ذلك على الله بعزيز، وهو على كل شيء قدير!

معلومات هامة أخرى عن الأيوبي:

الاسم الكامل: الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني التكريتي، المشهور بلقب: «صلاح الدين الأيوبي».

الميلاد: ٥٣٢ھ – ١١٣٨م

الوفاة: ٢٧ صفر ٥٨٩ ھ – ٤مارس ١١٩٣م.

فترة الحكم: ٥٦٧ – ٥٨٩ھ = ١١٧٤- ١١٩٣م.

حطين: تعتبر حطين معركة حاسمة في تاريخ الحرب الإسلامية الصليبية، إذ فقدت مملكة بيت المقدس قواتها العسكرية في هذه المعركة،

كما تم تدمير أكبر جيش صليبي، أمكن جمعه منذ قيام الكيان الصليبي، وأضحى صلاح الدين القائد المنتصر في هذه المعركة على الصليبيين، صاحب السيادة على العالم الإسلامي بأسره.

دخول صلاح الدين المقدس: يوم الجمعة: ٢٧ رجب ٥٨٣ م.

في الثاني من شهر تشرين الأول (أكتوبر) ١١٨٧م استطاع صلاح الدين الأيوبي تحرير بيت المقدس والمسجد الأقصى من احتلال الصليبيين، الذي مكث جاثمًا على صدر بيت المقدس ٨٨ عامًا.

صفات صلاح الدين:

يُعرف صلاح الدين الأيوبي بتسامحه ومعاملته الإنسانية، لذا يعد من أكثر الأشخاص تقديرًا واحترامًا في العالمين الشرقي الإسلامي والأوروبي المسيحي،

حيث كتب المؤرخون الصليبيون عن بسالته في عدد من المواقف، أبرزها عند حصاره لقلعة:

«الكرك» في مؤاب، وكنتيجة لهذا حظي صلاح الدين باحترام خصومه، لا سيما ملك إنجلترا ريتشارد الأول (قلب الأسد)،

وبدلًا من أن يتحول إلى شخص مكروه في أوروبا الغربية، استحال رمزًا من رموز الفروسية والشجاعة.

(الأحد: ١١ من رجب ١٤٤٦ھ – ١٢ من يناير ٢٤٢٥م).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights