أقلام حرة

ازدواجية العلمانيين.. لماذا الصمت أمام صليب روبيو والهجوم على الإسلام؟

محمود الشاذلي

في مشهد أثار جدلًا واسعًا، ظهر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في مقابلة تلفزيونية وعلى جبهته صليب واضح من الرماد، ضمن طقوس «أربعاء الرماد» التي يمارسها المسيحيون الكاثوليك. وعلى الرغم من أن هذا المشهد لم يثر اعتراضات تُذكر من العلمانيين، الذين يرفعون شعارات «فصل الدين عن الدولة» و«رفض الرموز الدينية في المجال العام»، فإنهم في المقابل يشنّون حملات شرسة عند رؤية فتاة ترتدي الحجاب في جامعة، أو سماع أذان يُرفع عبر مكبرات الصوت في مدينة أوروبية.

ازدواجية المعايير بين الإسلام والمسيحية

تُظهر هذه الواقعة بوضوح تناقض الخطاب العلماني في الغرب، بل وحتى في بعض الدول العربية، حيث يُترك المجال واسعًا أمام مظاهر التدين المسيحي، بينما يُمارَس تضييقٌ ممنهج على الممارسات الإسلامية. فكيف يمكن تفسير السماح برموز دينية معينة، بينما يتم التضييق على الحجاب، ومنع الموظفين المسلمين من أداء الصلاة في أماكن العمل، بل وفرض قوانين تمنع الصيام في بعض المؤسسات بحجة “حماية الإنتاجية”؟

الأمثلة على هذه الازدواجية لا حصر لها؛ ففي حين تُعلق الصلبان في المدارس والمباني الحكومية في أوروبا وأمريكا، يُمنع الحجاب في المدارس والمؤسسات الرسمية. وفي الوقت الذي تُعطى فيه إجازات رسمية لاحتفالات الكريسماس وعيد الفصح، يتم تجاهل المناسبات الإسلامية مثل رمضان وعيد الأضحى، بل ويتعرض المسلمون للانتقاد عند المطالبة بحقوقهم الدينية.

رمضان وصلاة الجمعة تحت المجهر

في كل عام، ومع اقتراب شهر رمضان، تبدأ وسائل الإعلام الغربية والعلمانية في الترويج لفكرة أن الصيام “غير صحي”، وأنه يضر بالإنتاجية، وكأن المسلمين يصومون لأول مرة في التاريخ! وعندما يطالب الموظفون في بعض الشركات بتسهيلات بسيطة مثل تقليل ساعات العمل في الأيام شديدة الحرارة، يُتهمون بالتعصب، بينما يتم منح إجازات رسمية في الغرب بمناسبة أعياد الميلاد والفصح دون أي اعتراض.

أما صلاة الجمعة، فهي الأخرى تحت مرمى الهجوم. ففي بعض الدول الأوروبية، يُمنع المسلمون من أداء الصلاة في الأماكن العامة، ويتم التضييق عليهم بحجة الحفاظ على “الطابع العلماني” للمجتمع، بينما لا يُمنع المسيحيون من إقامة قداساتهم أو حتى رفع الصلبان في الأماكن العامة.

حرية انتقائية أم حرب على الإسلام؟

السؤال الأهم هنا: هل هذه حرية أم انتقائية؟ ولماذا يكون الدين مقبولًا عندما يكون مسيحيًا أو يهوديًا، لكنه يتحول إلى “تطرف” عندما يكون إسلاميًا؟ العلمانيون الذين يتشدقون بشعارات الحرية الشخصية، لماذا يصمتون أمام هذه التناقضات؟

الحقيقة الواضحة أن هناك استهدافًا متعمدًا للإسلام، ومحاولة لحصره في الزوايا الضيقة، بينما يتم الترويج لكل ما هو غير إسلامي بحجة «الانفتاح» و«التعددية الثقافية».

اختبار حقيقي للعلمانية

إذا كانت العلمانية تعني حق الجميع في ممارسة شعائرهم دون فرض أي قيود، فلماذا تُفرَض هذه القيود فقط على المسلمين؟ وإذا كانت تعني “فصل الدين عن الدولة”، فلماذا لا تُطبَّق هذه القاعدة على الجميع بالتساوي؟

الحقيقة أن ازدواجية العلمانيين باتت مكشوفة، ولم يعد بالإمكان إخفاؤها. فإما أن تكون هناك حرية دينية حقيقية تشمل الجميع، أو أن تعترف هذه الأنظمة بأنها تمارس التمييز ضد الإسلام بشكل صريح.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights