“مراوغات غير متوقَّعة”… عن مارادونا والأدب وكرة القدم

لم يكن مارادونا مجرّدَ لاعبِ كرة، وإنما مزيجًا نادرًا من الموهبة العبقريّة، و”الكاريزما”، والحسّ الإنساني الذي جعله محبوباً لكثير من الناس باختلاف مشاربهم وثقافاتهم، ولأنه كان رمزًا من رموز لعبة كرة القدم، وأحد الذين جعلوا الملايين تعشق هذه “الساحرة المستديرة”، فقد ارتأت “مؤسسة بيت الزبير” أن توظّف مناسبة رحيله لتوجيه الانتباه إلى الجانب الثقافي في اللّعبة الشعبية الأولى في العالم، من خلال كتاب جديد بعنوان “مراوغات غير متوقَّعة/ عن مارادونا، والأدب، وكرة القدم”.
ويمثّل الكتاب محاولةُ لردم الهوّة المصطنَعة بين الثقافة والرياضة، وبناء الجسور بين الأدب وكرة القدم، وقد صدر حديثًا عن “الآن ناشرون وموزعون”، في عمّان، في 122 صفحة، بمشاركة كوكبة من الباحثين والدّارسين، الّذين قدّموا أوراقًا علميّة، قام بجمعها وتحريرها سليمان المعمري.
ويضمّ الكتاب بين دفتيه أورق ندوة: “مارادونا، الأدب، وكرة القدم” التي عقدت في 27 يناير 2021م)، في مسقط، بمشاركة الأدباء: د. حسن مدن، وسيد محمود، ومحمد الفولي، وسليمان المعمري، ومنى حبراس، الذين تحدثوا باستفاضة عن علاقة هذه اللعبة بالأدب؛ العالمي منه، والعربي، والعُماني، كما تضمن الكتاب ورقة للروائي والكاتب السوداني المقيم في الدوحة أمير تاج السر، بعنوان “الحياة الثقافية في وسط الكرة”.
الكاتب والباحث البحريني د. حسن مدن شارك في الكتاب بورقة عنوانها «مارادونا في الأدب» استوقفته في مستهلها عبارة للبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عن اللاعب الفذ الذي يشاطره الانتماء للأرجنتين يقول فيها: “مارادونا على أرض الملعب كان شاعرًا، بطلًا عظيمًا أسعد الملايين من الناس في الأرجنتين ونابولي، وكان أيضًا رجلًا هشًّا”. وقد كان هذا مدخلا ذكيا للباحث، انطلق منه للتأكيد أن “الجمع بين رهافة الشعر وهشاشة الكائن الإنساني يجعل من صاحبهما شخصية روائية، أو فلنقل شخصية ملهمة للكتاب وللشعراء أيضًا”.
ولأن الأرجنتين -بلاد مارادونا- هي من أكثر بلدان العالم عشقًا للساحرة المستديرة، وتفريخًا للمواهب الكروية، من كيمبس إلى مارادونا إلى باتيستوتا وليس انتهاء بالأسطورة ميسي، فقد كان بديهيا أن يتأثر أدبها بذلك. بل إنه يمكننا القول إنها البلاد الأبرز بنوع أدبي جديد بات يطلق عليه “الأدب الكروي”، وهذا هو موضوع ورقة الكاتب والمترجم المصري محمد الفولي، الذي يعرفنا على هذا النوع من الأدب المزدهر في الأرجنتين ودول أمريكا اللاتينية. ويفرق الفولي في ورقته المعنونة: “أدب كرة القدم” بين ثلاثة تصنيفات في الكتابة عن هذه اللعبة: أدب كرة القدم، وكرة القدم في عالم الأدب، والكتب التثقيفية الكروية.
وإذا كانت أمريكا اللاتينية متفوقة في هذا النوع من الأدب فإنه من الصعب الحديث عن أدب كرة قدم عربي اليوم بهذا المعنى. هكذا يرى الكاتب والصحفي المصري سيد محمود في ورقته: “كرة القدم والأدب العربي”. ويوضح ذلك بالقول إننا لا نجد أديبا عربيا واحدا يضع الكتابة حول كرة القدم على جدول أولوياته. ورغم شمولية عنوان الورقة لكل الأدب العربي إلا أن سيد محمود يركز على أدباء مصر في المقام الأول، باعتبارها بلدا كبيرا ومركزيا ارتبط بتأسيس الحداثة العربية، خصوصا أن اللعبة دخلت إليها مبكرا مع بدء الاحتلال البريطاني في عام 1882م. يستعرض الكاتب علاقة عدد كبير من الأدباء المصريين بالكرة، في مقدمتهم نجيب محفوظ.
هذا الرصد لحضور الكرة في الأدبين العربي والعالمي في هذه الكتاب استدعى أيضًا رصدًا مماثلا لهذا الحضور في الأدب العُماني، وقد تكفلت بهذا الأمر الناقدة العمانية منى حبراس في ورقتها التي عنونتْها: «كرة القدم في السرد العُماني: اللعب في الأشواط الإضافية». وعمدت منى إلى تصنيف حضور كرة القدم في الأدب العُماني (والسردي تحديدا) إلى أربعة أشكال: أولها حضور عابر لا يتعدى إشارات سريعة لا تُحدِث أثرًا في النص أو في حدثه الرئيس، وثانيها اشتغال النص بكُليَّته بموضوع كرة القدم جاعلا منه لحمته وسُداه. وتوقفت هنا عند ثلاث قصص لمازن حبيب ونوف السعيدي وبشاير حبراس، أما الشكل الثالث فتسميه منى “النصوص المزامِنة”، وهي النصوص التي استلهمت حدثا كرويا معيَّنا في بناء عالمها السردي، وتستحضر في هذا الشكل نصين للكاتبين سليمان المعمري ومحمد سيف الرحبي، في حين كان الشكل الرابع والأخير هو النصوص الأدبية التي شُغِلتْ بشخصية لاعب بعينه، وهو في هذه الورقة أيقونة الكرة العمانية غُلام خميس، الذي يعد “مارادونا عُمان”، والذي رحل عن دنيانا في العاشر من نوفمبر 2008م.
ورغم أن كرة القدم أضحت اليوم صناعة ضخمة، ونالت شعبية جارفة لا تنافسها فيها أي رياضة أخرى، فإننا لن نعدم من يتساءل عنها مُحِقًّا: أهي لعبة سلام ومحبة أم لعبة كراهية وحروب؟ وهذا هو موضوع ورقة تأملية تضمنها هذا الكتاب قدمها الكاتب العُماني سليمان المعمري، الذي يرى أن الجدل والتمزق بين صورتي السلم والحرب المرتبطتين بهذه اللعبة سيبقيان طويلًا ما بقيتْ اللعبة، وما بقي عشاقها وكارهوها.
بينما تطرق الروائي والكاتب السوداني المقيم في الدوحة أمير تاج السر، عبر ورقته: “الحياة الثقافية في وسط الكرة”، لعلاقة الثقافة عموما بالحدث القادم بحسب ذلك التوقيت، وما يمكن أن يحدث في وجود ثقافات مختلفة في بوتقة المونديال.
تجدر الإشارة إلى أن “مؤسسة بيت الزبير” هي مؤسسة ثقافية، في العاصمة العُمانيّة مسقط، بدأت بمتحفٍ خاصٍ، فُتحت بوابته الخشبية المزخرفة لترحب بزواره في عام 1998م. وهو ممولٌ من قبل مؤسسيه (عائلة الزبير). وفي عام 2005م أنشأت العائلة هذه المؤسسة لتكون الذراع الثقافي والاجتماعي للمؤسسة التجارية التي تملكها الأسرة.