بحوث ودراسات

مساندة الحوثيين لـ«غزة» وعلاقتها بتجربة مصر في حرب أكتوبر 1973

بقلم: عبد المنعم منيب

في الوقت الذي استهدف فيه العدو الصهيوني شعب فلسطين بالإبادة الجماعية في غزة والضفة الغربية والقدس منذ بداية طوفان الأقصى فإن الضغط السياسي والعسكري الذي مارسه الحوثيون ضد الكيان الصهيوني جسد مساندة للمقاومة الفلسطينية بدرجة لا بأس بها، ونلاحظ أن هذا الدور الحوثي رغم محدوديته ومحدودية ما يملكه من موارد عسكرية فإنه يستدعي للذاكرة العربية ما سبق وأن رتبته مصر في حرب أكتوبر 1973 من الضغط على العدو الصهيوني وحلفائه في المنطقة.

التجربة المصرية في حرب أكتوبر 1973

 ويمكننا الاطلاع على جانب من هذه التجربة عبر ما ذكره أحد القادة المصريين ذوي الأدوار المهمة في هذه المرحلة وهو محمد حافظ إسماعيل ([1]) حيث يقول في مذكراته:

“وكان من المتوقع عندئذ أن تقوم قواتنا بعمليات حربية في ربيع 1971 وكان علينا أن نعد أنفسنا لهذا الاحتمال، ولهذا فقد احتل التعرض للمصالح الغربية في منطقتنا بالتنسيق مع عملياتنا السياسية والعسكرية مكانا هاما في تقديراتنا إلا إننا لم نكن غافلين عن طبيعة أن هذا السلاح ذي حدين، فبينما كان من المتوقع أن تؤدي الضغوط الاقتصادية على القوى الغربية إلى إرغامها على اتباع سياسة عادله تجاه قضيتنا، فقد كان من الضروري أن نأخذ في اعتبارنا قدر الأضرار المادية التي يمكن أن تلحق بالشعوب العربية نتيجة استخدام سلاح الضغط الاقتصادي ضد القوى الغربية.

وتوقعا لأي قرار في هذا الصدد فقد بدأنا في إعداد خريطة كاملة ودقيقة للمصالح الغربية في المنطقة توضح الأهداف التي يمكن التعرض لها بالعمل الإيجابي، وكانت مراكز انتاج البترول وخطوط مواصلاته تحتل موقعا هاما على هذه الخريطة، وكان انتشار تنظيمات مناضلة عديدة داخل منطقة الشرق الأوسط يتيح إمكان إسهامها في العمليات التعرضية، كما كانت نقابات العمال العرب تجذب اهتمامنا، نظرا لما تتمتع به من تنظيم وروح نضالية عالية، وكان أهم ما نرجوه هو الإضرار بكفاءة الأداء وبمستوى الإنتاج في المؤسسات الاستراتيجية، بمقاطعتها والتخلف عن التعاون أو العمل فيها، مما يترتب عليه الحد من إمداد الدول الغربية بحاجتها من الطاقة ومن ثم التأثير بصورة فعالة في برامجها الاقتصادية والاجتماعية” ([2]) أ.هـ

ثم قال في موضع آخر: “وعلاوة على ذلك فقد كُلِّف مساعدا الرئيس عزيز صدقي وسيد مرعي بما يتصل بتوسيع قاعده التعرض للمصالح الغربية في المنطقه” ([3]) أ.هـ

وقال أيضا: “ما يتصل بدائرة الصدام داخل منطقة الشرق الأوسط فقد التزمنا بعدم توسيع جبهة المواجهة، وذلك بتجنب إقحام المصالح الغربية في منطقتنا تجنبا للإضرار باقتصاد شعوب اليابان وأوروبا الغربية، وكان الهدف من ذلك ضمان تأييد العالم الغربي والرأي العام العالمي لقضيتنا… ولم نكن نفتقر إلى وسائل تعميق او توسيع منطقة المواجهة… و كنا قادرين على التدخل ضد المصالح الغربية في المنطقة سواء بمعاونة الحكومات العربية أو شعوبها، ولم تلبث أن تطورت الأمور على نحو لم يعد يمكن معه استمرار الالتزام الاختياري الذي تقدمنا به، وكان رد فعلنا الطبيعي هو إقحام العالم الغربي ([4]) على كل الجبهات السياسية والعسكرية والاقتصادية” ([5]) أ.هـ

الخطط المصرية مقارنة بعمليات الحوثيين

وبمقارنة الخطط المصرية التي كشف عنها حافظ إسماعيل بما يفعله الحوثيون وقبلهم حزب الله اللبناني نجد التالي:

مصر خططت لاستهداف المصالح الغربية واليابانية بعامة وليس الأمريكية فقط، بينما الحوثي يستهدف خطوط الملاحة المتجهة للكيان عبر البحر الأحمر فقط.

استهدف الحوثي وحزب الله اللبناني أراضي الكيان نفسه، بينما لم تخطط مصر لاستخدام الحركات الشعبية في المنطقة لاستهداف الكيان، لأنها كانت تكتفي في ذلك باشتباكها العسكري الفعلي مع الكيان في حرب 1973.

استهدف الحوثي كل السلع المتجهة للكيان في البحر الأحمر، بينما خططت مصر لاستهداف كل المصالح الغربية واليابانية بعامة أيا كان موقعها في الشرق الأوسط.

خططت مصر لاستخدام الحركات الشعبية والمنظمات النضالية والحركات العمالية لتحقيق ما خططت له من استهداف المصالح الغربية واليابانية بالمنطقة، بينما الحوثي يعتمد على قواته فقط، ربما لأن الحوثي شيعي والشيعة غير مقبولين شعبيا بين المسلمين السنة في العالم كله بسبب تورطهم في سفك دماء المسلمين السنة في العراق وسوريا واليمن.

أسئلة عالقة حول خطط المقاومة الفلسطينية

ومن هنا فإن أسئلة عديدة تتبادر للذهن حول ما عسى أن يكون قد فات مخططي المقاومة الفلسطينية عند إعدادهم لحرب طوفان الأقصى التي باغتت الكيان الصهيوني وأوقعت به في 7 أكتوبر 2023، ومنها هل عولت المقاومة الفلسطينية في المساندة الخارجية على المحور الإيراني فقط؟؟

وهل توقعت المقاومة الفلسطينية أن المحور الإيراني سيفتح حدود لبنان وسوريا أمام منظمات المقاومة الفلسطينية للاشتباك مع الكيان الصهيوني، حيث توجد قوات كثيفة وجاهزة تابعة لفصائل المقاومة الفلسطينية في كل من لبنان وسوريا؟

أم أنها ظنت أن المساندة السياسية الارتجالية من الشعوب والحركات السياسية غير الحكومية كافية لكبح جماح العدوان الصهيوني؟

دور القيادة الفلسطينية والنخب العربية والإسلامية

وعلى كل حال فهناك أمران مهمان في هذا الشأن هما:

الأول- أمر كان وما يزال ينبغي أن يحظى بعناية واهتمام كبير من قبل قادة المقاومة الفلسطينية، وهو تأسيس وإدارة ركيزة إسناد خارج الأرض المحتلة تنتشر عبر العالم في ظل الحالة العولمية التي باتت تعيشها السياسة الدولية بفعل تقدم وسائل الاتصال والتواصل والانترنت..الخ، ولكن هذه الركيزة ينبغي أن يتم إعدادها برؤية استراتيجية شاملة، وكونها استراتيجية يعني أنها لا تعتمد على العفوية والارتجال والارتكان إلى تعبئة الأنصار عبر الخطابات والميديا فقط، وكونها شاملة فيعني أنها لا تنحصر في أداة واحدة سواء سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وكذلك يجب أن تتسم بالإبداع وعدم الاقتصار على ما هو تقليدي من الاستراتيجيات والتكتيكات، فمثلا في المجال السياسي لا ينبغي الاقتصار على المظاهرات والمؤتمرات والندوات..الخ بل ينبغي تواصل الجمهور مع نوابهم البرلمانيين في الدول الديمقراطية واقناعهم باتخاذ قرارات عملية ضاغطة على الكيان الصهيوني لمنع عدوانه، كما ينبغي توظيف شركات علاقات عامة كبيرة احترافية بأجر للتأثير في صناعة القرار بمختلف الدول المساندة للكيان الصهيوني من أجل قطع أي مساندة أو إمداد لوجستي اقتصادي او عسكري عن الكيان، وأيضا يجب أن تتجه الاحتجاجات الجماهيرية في كل أنحاء العالم للقيام بنفس المهام، وبشكل عام ينبغي أن تعمل الحركات المساندة لفلسطين كجماعة ضغط ناشطة كل منها في موطنها الذي تتحرك فيه وفق مفاهيم وقواعد جماعات الضغط الفعالة.

الثاني- إنما قلنا أن قيادة المقاومة مدعوة لهذا من منطلق أن واقع النخب العربية والإسلامية مرير، فهي في أغلبها:

إما نخب ساذجة لا تمارس السياسة باحترافية ومع هذا معجبة بسذاجتها السياسية، ولا تسعى للتطور وذلك بعزوفها عن الاصغاء للخبراء.

وإما نخب أنانية تمنعها أنانيتها عن ممارسة الكفاحية السياسية، وتقتصر في ممارستها السياسية على ما يريحها ولا يحملها أي تكلفة ذات بال.

وبالتالي فلا نجد من يفكر تفكيرا استراتيجيا احترافيا بين العرب الآن سوى المقاومة الفلسطينية، ورغم هذا فكلنا مدعوون لنبذ ما نعيشه من حالة العجز والكسل والجبن والبخل، وأخذ زمام المبادرة بشأن القيام بواجب نصرة الإسلام والمسلمين قال الله عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ” سورة محمد آية 7، وهذا أمر منوط بالنخب أساسا لأن لا أحد يفعل شيئا إلا بقيادة وتوجيه النخبة، وكل النخب التي ستستمر على الحالة المزرية الراهنة فإن عجلة الأحداث ستسحقها وسوف تصيبها سنة الاستبدال، قال الله تعالي ” وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ” سورة العنكبوت آية 6، وقال الله عز وجل: “وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم” سورة محمد من آية 38.

([1]) محمد حافظ إسماعيل ضابط أركان حرب سابق تولى العديد من المناصب العسكرية ومنها أنه عمل مديرا لمكتب اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية المصرية والقائد العام للقوات المسلحة، كما عمل مديرا لمكتب المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة، ثم عمل أيضا في مناصب دبلوماسية مهمة عديده في عصر جمال عبد الناصر، كما تولى مناصب استخباراتية مهمة وصلت لمنصب وكيل اداره المخابرات العامة المصرية أيضا في عصر جمال عبد الناصر، وعمل مديرا للمخابرات العامة المصرية في عصر السادات لفترة وجيزة، ثم عمل مستشارا للأمن القومي لرئيس الجمهورية أنور السادات لما بعد نهاية حرب 6 أكتوبر 1973، كما عمل رئيسا لديوان رئيس الجمهورية في عصر السادات.

([2]) مذكرات محمد حافظ إسماعيل المنشورة بعنوان (أمن مصر القومي في عصر التحديات)، طبع مركز الأهرام للترجمة والنشر، مؤسسة الأهرام، القاهرة 1987، الطبعة الأولى، ص 160.

([3]) نفس المصدر ص 306

([4]) هذه الجملة غير مفهومة لأنه في حرب أكتوبر 1973 لم يحدث أي تعرض للعدو وحلفائه خارج الجبهتين السورية والمصرية اللهم إلا عملية رفع أسعار النفط وتخفيض ضخه للدول المساندة للعدو (في أوروبا وأمريكا واليابان).

([5]) نفس المصدر بتصرف يسير ص 319.

عبد المنعم منيب

كاتب صحفي وباحث في السياسة والدراسات الإسلامية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى