العالم بات على شفا حرب تجارية ربما تكون الأعنف والأكثر تأثيراً في العصر الحديث، والاقتصاد العالمي تنتظره لحظات صعبة ومزيد من الضغوط، وفي مقدمتها التضخم. لم ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب دخوله البيت الأبيض رسمياً يوم 20 يناير المقبل لإطلاق صافرة واحدة من أكبر الحروب التجارية شراسة وحدة، والتي ستكون لها تداعيات خطيرة على الأسواق الدولية وأسعار السلع وحركة الشحن والتجارة من صادرات وواردات، بل أطلق صافرة الحرب مبكراً. ولم يلتفت لإشارات الغزل، وربما التودد وأحيانا التهديد، الصادرة من عواصم مالية كبرى وشركاء تجاريين تستهدفهم الحرب المقبلة، ومنها بكين وأوتاوا وبروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبي.
ترامب بدأ حربه التجارية مبكراً جداً، وتعهد بإشعالها على ثلاث جبهات مرة واحدة منذ اليوم الأول لتوليه منصبه بعد أقل من شهرين، عبر فرض رسوم جمركية مرتفعة وإضافية على صادرات أكبر ثلاثة شركاء تجاريين للولايات المتحدة، وهم كندا والمكسيك والصين. كما عيّن المحامي جيمسون غرير ممثلاً للتجارة الأميركية، والذي كان مناصراً لسياسته الحمائية والتجارية العدائية في ولايته الأولى، حيث لعب سابقاً دوراً رئيسياً في فرض الرسوم الجمركية على الصين وغيرها.
ردود الفعل جاءت سريعة أمس الثلاثاء، عقب إعلان ترامب خطواته التصعيدية التي تهدد بإشعال فتيل توترات وقلاقل اقتصادية عالمية، وربما موجة من التضخم وغلاء المعيشة وتعقد سلاسل التوريد. ر
ئيسة المكسيك، كلوديا شينباوم، سارعت وحذرت ترامب من عواقب الحرب التجارية، ولمحت لاتخاذ إجراءات انتقامية في حال فرض رسوم بنسبة 25% على صادرات بلادها.
في اليوم نفسه، خرجت الصين وكندا محذرتين ترامب من اجراءاته الانتقامية، وأكدت بكين “أنّ لا أحد سينتصر في حرب تجارية، وأنه لا يوجد رابح في فرض الرسوم أو تلك الحرب، كما أن العالم لن يستفيد من ذلك، وأن الجميع سيخرجون منها خاسرين”. وذكّرت كندا ترامب بدورها الأساسي في تزويد الولايات المتّحدة بإمدادات الطاقة ومشتقات الوقود، أي أنها تمتلك نقاط قوة يمكن استخدامها للرد على تلك الحرب التجارية ضدها.
الفزع يجتاح أوروبا، أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة، من حرب ترامب التجارية التي قد تشعل الأسعار في أسواق السلع والطاقة والخدمات، وتلحق خسائر فادحة باقتصادات وصادرات دول القارة، وفي مقدمتها الاقتصاد الألماني، وهو ما دفع كبار المسؤولين بالقارة إلى إعلان أن أوروبا “مستعدة للرد” على أي توترات تجارية محتملة مع واشنطن، “وأن الأمر بسيط، إذا فرض ترامب رسوماً جمركية فسنرد”، كما قالت سفيرة الاتحاد الأوروبي لدى واشنطن يوفيتا نيلوبشينه.
ترامب يتعامل بمنطق السمسار مع ملفات العلاقات الدولية، سواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو السياسة أو حتى الحروب، هو يريد فرض رسوم تجارية عالية على واردات الولايات المتحدة، بهدف زيادة إيرادات الخزانة الأميركية وتقليل العجز المزمن في فاتورة الدين العام، وأيضاً الحد من تدفق السلع الخارجية على الأسواق الأميركية، وهو ما يزيد الطلب على المنتجات والسلع الأميركية، لكن ترامب يعرف أن سهامه قد ترتد على المواطن والأسواق الأمريكية التي ستعاني من زيادة أيضاً في الأسعار في حال فرْض رسوم على الواردات، وهو ما دفع شركات النفط العالمية وبنك غولدمان ساكس الاستثماري إلى أن تحذر من ارتفاع أسعار الوقود في أميركا بسبب تلك الحرب المرتقبة.
وتأكيد بنك أوف أميركا أن الرسوم التي فرضت في الماضي كان لها تأثير بالفعل على أسعار السلع بشكل كبير، وأن الأسرة الأميركية المتوسطة واجهت زيادة سنوية في التكلفة بلغت نحو ألف دولار بسبب ارتفاع أسعار السلع المستوردة الخاضعة للتعريفات الجمركية.
زيادة الرسوم الجمركية ستضرّ أيضا بمعدل النمو، وستزيد نسبة التضخّم في الولايات المتحدة وتعرقل خطط البنك الفيدرالي، إذ إنّ التكاليف الإضافية سيتحمّلها مستوردو السلع الذين سيحمّلونها لاحقاً للمستهلك. وقد يؤدي فرض تلك الرسوم إلى بقاء أسعار الفائدة مرتفعة إذا قامت الدول الأخرى بإجراءات انتقامية ضد الصادرات الأميركية، وهو ما يعني بقاء كلفة الإنتاج داخل المصانع الأميركية على حالها، وهو أمر يغذي التضخم ويطلق موجة غلاء جديدة.
هذا عن حال الأسواق العالمية، لكن ماذا عن ارتدادات الحرب التجارية على الأسواق العربية المتعاملة مع الولايات المتحدة والصين وأوروبا وغيرها؟ كيف ستتأثر الصادرات السلعية العربية البالغة قيمتها 1393 مليار دولار في عام 2023؟ وما الأعباء الإضافية على المستهلك والواردات العربية التي تجاوزت قيمتها 1198 مليار دولار من تلك الحرب الشرسة؟