ما يخطّه قلمي ليس تفسيرًا، فلستُ من أهلِه، وإنما هي وقفات أديبٍ عند بعض المعاني والكلمات.
(مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ. قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ)
(42 -46 سورة المدثر)
تأمّلوا أحبابي معي تلك الآيات الكريمات..
أولاً: لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ.
ونعلم جميعاً أن الصلاة تنهى عن الفحشاءِ والمنكر..
الفحشاء: ما يصيب الإنسان في حق نفسه كالزّنى وغيره.
والمنكر: ما ينكره الإنسان من حدود الله، وما يحلّه من نواهيه طمعًا في الدنيا.
وفي آية أخرى وفي سياق آخر (وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) حيث أضاف إلى الفحشاء والمنكر (البَغي)..
والبَغي هو الظلم الواقع منك على غيرك.
تأمّلوا أن الصلاة تحميك من ظلم نفسك، وظلم غيرك، والتعدّي على حدود الله..
أي أنها طهارة لقلبك من الهوى، لذا كانت جامعة، وكان تاركها كافرا لمرضه بالآفات الثلاث السابق ذكرها.
ثم: لَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ.
والزكاة والصدقات طهارة للبدن، ودواء للبخل، والشُّح، ووكالة عن الله تعالى مع فقرائه..
عن ابن عمر (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ للهِ أقوامًا اختصَّهم بالنِّعمِ لمنافعِ العبادِ، يُقرُّهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحوَّلها إلى غيرِهم).
رواه الطبراني (5/ 228) وحسّنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2617).
فإذا لم تطعم المسكين وتتصدّق؛ ضاعت طهارة البدن.
فإذا ضاعت طهارة القلب بعدم الصلاة، وطهارة البدن بعدم الزكاة والتصدّق؛ كان لا بُدّ لهذا الوهن الضعيف أن يخوض مع الخائضين في أعراض الناس، وأن يترنّح في المعاصي واللذات، وأن يصبح الشيطان كبيره ومعبوده من دون الله، يخاف منه، ولا يخاف الله، فإذا كان كل هذا؛ كَرِهَ لقاء ربه.
إذ كيف يقف بين يديه، فينكر ويكذب بيوم الحساب حتى يأتي الموعد: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (39: سورة مريم).
والله تعالى أعلم.