نيويورك تايمز :حرب غزة تدفع ترامب لإعادة تقييم تشكيل التحالفات في الشرق الأوسط
قال صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية: أن الرئيس المنتخب دونالد ج. ترامب لم يحدد بعد جدول أعماله في المنطقة، لكن المشهد الجيوسياسي تغيّر بشكل كبير منذ أن كان في منصبه آخر مرة
وقالت الصحيفة في تقرير لها ترجمته :أثناء الإدارة الأولى لدونالد ترامب، كانت سياسة الشرق الأوسط ترتكز على عنصرين رئيسيين: ضرب اقتصاد إيران ومحاولة عزلها من خلال تعزيز العلاقات بين خصومها العرب الرئيسيين وإسرائيل.
في الجزء الثاني، حققت الإدارة اختراقًا كبيرًا في أشهرها الأخيرة: ما يُعرف بـ “اتفاقيات إبراهيم”، التي طبّعت العلاقات بين إسرائيل وكلٍّ من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والسودان والمغرب. وقد تضمنت هذه الاتفاقيات وعودًا أمريكية بعقود أسلحة كبيرة لبعض الموقعين.
من جانبهم صرح مسئولون بإدارة بايدن حينها بأنهم يأملون أن تنضم السعودية، الدولة الأكثر تأثيرًا في لعالم العربي جيوسياسيًا، إلى هذه الاتفاقيات وتُعلن اعترافها بإسرائيل – وهو هدف سعى الرئيس بايدن لتحقيقه أيضًا دون نجاح.
لكن جدول أعمال الرئيس المنتخب ترامب في الشرق الأوسط لا يزال غامضًا. الأمر المؤكد هو أنه سيرث مشهدًا جيوسياسيًا في الشرق الأوسط يختلف بشكل كبير عمّا كان عليه قبل أربع سنوات.
ومن المهم الإشارة هنا إلي أنه خلال الأعوام الأخيرة تغيّرت التحالفات، وتبدّلت الأولويات. تعمّقت التوترات القديمة في بعض المناطق، وذابت في مناطق أخرى، بينما هجمات حماس في إسرائيل في 7 أكتوبر 2023 والحرب في غزة التي تبعتها يمكن أن تهز المنطقة لسنوات قادمة.
وفي الأسبوع الماضي، عيّن ترامب ستيفن ويتكوف، قطبًا عقاريًا ومانحًا لحملته الانتخابية، كمبعوث خاص إلى الشرق الأوسط. ويتكوف، المدافع الشرس عن إسرائيل، حضر خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس في يوليو. اختيارات ترامب الأخرى شملت السيناتور ماركو روبيو لمنصب وزير الخارجية، ومايك هاكابي كسفير للولايات المتحدة في إسرائيل – وكلاهما يدعمان إسرائيل بلا تحفظ في حربها في غزة.
وأضافت الصحيفة أنه لطالما كان ترامب يؤمن بأن بإمكانه “عقد صفقات” في السياسة الخارجية كما في الأعمال التجارية. بالنسبة للعديد من دول الشرق الأوسط، السياسة الخارجية القائمة على المصالح المتبادلة أمر مألوف. حتى أن إيلون ماسك، المستشار لدى ترامب، اجتمع سرًا الأسبوع الماضي مع سفير إيران لدى الأمم المتحدة.
لكن بالمقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل أربع سنوات، تقلّصت مساحة عقد أي صفقات بشكل كبير بسبب عدة أسباب.
يقول كريستيان أولريخسن، خبير الشرق الأوسط في معهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس: “إذا كان فريق ترامب يعتقد أنه يمكنه استئناف العمل من حيث توقف عام 2020، فهو يخطئ في قراءة الموقف تمامًا. سيتضح ذلك بسرعة كبيرة.”
وتابع :في عهد ترامب الأول، كانت القضية الفلسطينية مُهمشة إلى حد كبير عندما قاد جاريد كوشنر، صهر ترامب، جهود البيت الأبيض لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
لم تطالب الدول العربية آنذاك بخطوات ملموسة نحو إقامة دولة فلسطينية كشرط لإبرام اتفاق دبلوماسي مع إسرائيل. نتيجة لذلك، لم يقدم نتنياهو أي تنازلات تُذكر لتحقيق هذا النصر الدبلوماسي الذي تمثل في اعتراف عدة دول عربية رسمياً بإسرائيل.
وبدورها تبنت إدارة بايدن استراتيجية مماثلة في عام 2023 خلال محاولة التوصل لاتفاق دبلوماسي بين إسرائيل والسعودية، لكن هجمات 7 أكتوبر والحرب في غزة أحبطت أي آفاق لإبرام اتفاق.
باختصار، ارتفع الثمن الذي تطلبه السعودية لإبرام اتفاق بسبب الغضب الشعبي في المملكة ودول عربية أخرى من سفك الدماء في غزة. صرح ولي العهد محمد بن سلمان علنًا بأن إسرائيل يجب أن تلتزم بقيام دولة فلسطينية قبل أن تعترف السعودية بها.
وقال ولي العهد في خطاب علني في سبتمبر: “المملكة لن تتوقف عن جهودها الدؤوبة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، ونؤكد أن المملكة لن تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل دون ذلك.”
السعوديون قد يريدون الآن المزيد من الصفقة مع إسرائيل، لكن إسرائيل مستعدة لتقديم أقل منذ أن كان ترامب في المنصب، عاد نتنياهو إلى السلطة على رأس أكثر الحكومات يمينية في تاريخ البلاد. دعا وزراء قوميون متطرفون في الائتلاف الحاكم على مدى العامين الماضيين إلى زيادة المستوطنات في الضفة الغربية وتحريض المستوطنين على العنف ضد الفلسطينيين..
ومن أجل الحفاظ على ائتلافه الحكومي، ولتجنب انتخابات قد تؤدي إلى هزيمته، يتوجب على نتنياهو التمسك باليمين المتطرف.في وقت يعيد الشرق الأوسط تنظيم نفسه بعيدًا عن الولايات المتحدة وإسرائيل
وفي إدارة ترامب السابقة، كانت الصفقات بين إسرائيل والدول العربية جزءًا من استراتيجية طويلة المدى ضد إيران. لكن العلاقات بين إيران ودول الخليج أصبحت أكثر دفئًا.
وفي العام الماضي، التقى دبلوماسيون إيرانيون مع مسؤولين من السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى. الشهر الماضي، سافر وزير الخارجية الإيراني إلى عدة دول خليجية بهدف، وفقًا للإعلام الإيراني، “إيقاف جرائم إسرائيل”.
وهنا قد تطلب السعودية من إدارة ترامب المقبلة اتفاقية دفاع رسمية تضمن دفاع الولايات المتحدة عن المملكة إذا تعرضت لهجوم. لكن إقرار مثل هذا الاتفاق يتطلب موافقة ثلثي مجلس الشيوخ الأمريكي، وهو أمر صعب تحقيقه دون اعتراف السعودية رسميًا بإسرائيل.
وفي ظل هذه الظروف، من المتوقع أن تستمر السعودية ودول الخليج في الموازنة بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران، مما يعكس حساباتها الاستراتيجية طويلة المدى حول مستقبل التوازن الإقليمي للسلطة.