“هارون الرشيد”.. الخليفة المظلوم المُفتَرَى عليه
(أبو جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور، بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي القرشي)
– يرجع نسبه للعباس بن عبد المطلب عم النبى (صلى الله عليه وسلم)
– الميلاد: 766م، مدينة الرَّي، فارس (إيران).
– الوفاة: مات شابا (43 عاما) في 23 مارس 809م،(193هـ) مدينة طوس (مشهد) إيران، بعد مرضٍ لم يتجاوز الشهر.
– بُويعَ بالخلافة ليلة الجمعة التي توفي فيها أخوه موسى الهادي، عام 170هـ، وكان عمره (22 سنة)
– من أشهر وأعظم الخلفاء العباسيين، وأكثرهم ذكرا في المصادر الأجنبية:
1- الألمانية في عهد الإمبراطور شارلمان التي ذكرته باسم (آرون)،
2- اليابانية والصينية التي ذكرته باسم (آلون)،
أما المصادر العربية فقد افترت عليه، لدرجة أن أخباره قد امتزجت فيها حقائق التاريخ بخيال القصص، ولا سيّما حكايات “ألف ليلة وليلة” التي صوَّرته بالخليفة المسرِف في الترف والملذات، وأنه لا يعرف إلا اللهو وشرب الخمور ومراقصة الغانيات، بالإضافة إلى الأحقاد والافتراءات المجوسية الشيعية..
حقيقة هارون الرشيد
– كانت حقيقة هارون عكس كل ما قيل، فقد كان رجلا صالحا عابدا، حسن السيرة والسريرة، فهو من خيرة الخلفاء، فقد كان يحج عامًا ويغزو عامًا، وقال الإمام الطبري، إنه كان يصلي في كل يومٍ مائة ركعة إلى أن مات.
– كان هارون يحب العلماء، ويعظّم حرمات الدين، ويبغض الجدال والكلام، ويبكي على نفسه.. وقد تم فتح الكثير من البلدان في زمنه، واتسعت رقعة الإسلام واستتب الأمن وعَمّ الرخاء.
قالوا عنه:
قال عنه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان: “كان هارون الرشيد من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي”.
ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: “وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم، وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة”.
وقال الذهبي في التاريخ: “سنة تسع وسبعين ومئة وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ودام على إحرامه إلى أن حج ومشى من بيوته إلى عرفات”.
وقال أبو الفدا في المختصر: “ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين ومئة وفيها حج الرشيد وأحرم من بغداد”.
وقال الغزالي في فضائح الباطنية: وقد حُكي عن إبراهيم بن عبد الله الخراساني أنه قال: حججت مع أبي سنة حج الرشيد فإذا نحن بالرشيد وهو واقف حاسرٌ حافٍ على الحصباء، وقد رفع يديه وهو يرتعد ويبكي ويقول: يا رب أنت أنت وأنا أنا، أنا العوّاد إلى الذنب وأنت العوّاد إلى المغفرة، اغفر لي.
فقد كان يطوف بنفسه متنكّرًا في الأسواق ليعرف كيف تسير الأمور، وقد تميّز عصره بالحضارة والعلوم والازدهار الثقافي والديني، وأسس المكتبة الأسطورية: بيت الحكمة في بغداد، وبدأت بغداد خلال فترة حُكمه بالازدهار، كمركز للمعرفة والثقافة والتجارة.
الصراعات:
– لم يخلو عصر هارون من الصراعات، وكان أشدّها صراع الدولة العباسية مع الطالبيين والعلويين، ولم يسمح الخليفة بالعصيان أو بروز زعامات تنافس العباسيين، ولذا كانت نكبة البرامكة الذين استفحل خطرهم، وأصبحوا دويلة داخل الدولة، بل كانوا يديرون الخلافة كلها، فهم الوزراء، وقادة الجيش، وحكام الولايات، والمسؤولون عن سك العُملة، والبريد، وكان أبناء البرامكة يتقلّدون أهم الولايات في الدولة شرقا وغربا، فضلا عن المالية والبريد والحجابة وغيرها، فأصبح الرشيد بينهم مُحاصرا
(البرامكة أسرة يعود أصلُها إلى مدينة “بلخ” بأفغانستان، كانوا في الأصل مَجوسًا ثم دخلوا الإسلام، وهُم ينتسبون إلى جدهم الأكبر برمَك، الذي كَانَ سادنًا في أحد معابد المجوس ويسمى معبد النوبهار، وهوَ أحد أشهر المعابد في مدينة بلخ)
طالب كبار علماء الإسلام هارون الرشيد بتحجيم نفوذ البرامكة، لأنهم طغوا في البلاد، وبدأوا يضعون الفُرسَ المجوس في مناصب الدولة الكبرى، ويتجرَّؤون على الخليفة العاجز، ووجد هارون نفسه بلا حيلة، فالدولة كلها في أيديهم، فقرر التخلص منهم، ولم تكن المهمة سهلة، فقد تغلغل البرامكة في كل أمور الدولة، وسيطروا على الجيش والمالية، ولهم مئات الآلاف، بل ملايين الأنصار والأعوان، في كل ولايات الخلافة.
اتّبع الرشيد سياسة المهادنة والكتمان، واستخدم عنصر المفاجأة؛ حتى يلحق بهم الضربة القاضية، وساعده علماء الأمة في ذلك الوقت الذين كانوا يخشون من النفوذ المجوسي في بلاد المسلمين.
في ليلة السبت (أول صفر 187 هـ = 29 من يناير 803م)، أمر رجاله بالقبض على البرامكة جميعًا، وأعلن ألا أمان لمن آواهم، وأخذ أموالهم وصادر دورهم وضياعهم.
وانتهت أسطورة البرامكة وزالت دولتهم، وتبددت سطوة تلك الأسرة التي انتهت إليها مقاليد الحُكم وأمور الخلافة لفترة طويلة من الزمان، تلك النهاية المأساوية التي اصطُلح على تسميتها في التاريخ بـ«نكبة البرامكة».
تقول المصادر التاريخية:
(كان لتلك النكبة أكبر الأثر في إثارة شجون القومية الفارسية، فعمدت إلى تشويه صورة الرشيد ووصفه بأبشع الصفات، وتصويره في صورة الحاكم الماجن المستهتر الذي لا هَمّ له إلا شرب الخمر، ومجالسة الجواري، والإغراق في مجالس اللهو والمجون؛ حتى طغت تلك الصورة الظالمة على ما عُرف عنه من شدة تقواه وحرصه على الجهاد والحج عامًا بعد عام، وأنه كان يحج ماشيًا ويصلي في كل يوم مائة ركعة)
– هارون الرشيد هو الخليفة المظلوم، والحاكم الذي نجحت تخاريف (ألف ليلة وليلة) لمُؤلِّفها الماجن، في جعل بعض المسلمين يصدّقون تلك الأكاذيب والافتراءات على رجل من أعظم خلفاء الأمة.