مقالات

أحمد سعد فتال يكتب: شموع من البشارات وسط ظلام الانكسارات

بقدر ما تزيد الابتلاءات التي تقع على المسلمين، ومنها الحرب الأخيرة في غزة، من يقين المؤمنين باقتراب نصر الله، بقدر ما تزرع الشك وتسكب القنوط على قلوب بعض المسلمين، بسبب عدم وعيهم على الإسلام، وعدم تبصّرهم بأحداث التاريخ، وإن التاريخ من الأهمية بمكان لفهم الواقع وبناء المستقبل، فهو ليس مجرد «حكواتي» بل مستشار نرجع إليه في الأزمات.

في هذا الصدد سأسرد بإيجاز بعض الأحداث التاريخية الكبرى التي زُلزل فيها المؤمنون، ثم نهضوا من تحت الركام؛ ليكون ذلك مثبّتاً للمسلمين ودافعاً لهم لمواصلة السير في معركتنا الحالية مع الغرب.

بين عامي 616 و658 هـ، ظن الناس أن المسلمين سيُستأصلون، وأن الإسلام انتهى، حتى تخيّل بعضهم أن القيامة ستقوم، فقد اجتمع على المسلمين آنذاك التتار والصليبيون، وانتشر الضعف والعجز والهزيمة النفسية في بلاد المسلمين كافة.

أولاً: بدأت الحكاية مع الغزو المغولي الذي اكتسح مملكة خوارزم في آسيا الوسطى، وكان هؤلاء الهمج يدخلون المدن الإسلامية واحدة تلو الأخرى، ويقترفون أعظم ما يمكن أن يتخيله العقل البشري من مجازر، قال عن ذلك المؤرخ ابن الأثير رحمه الله: «فلو قال قائل: إن العالَـم منذ خلق الله سبحانه وتعالى آدم وإلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقاً، فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها». قتل المغول حينئذ في مدينة مَرُو (تقع الآن في تركمانستان) 700 ألف مسلم، أما بغداد فقد فاق عدد قتلاها مليون مسلم. هذه الأرقام الهائلة للقتلى رأيناها في زمننا المعاصر خلال عدة سنوات، كما حصل في سوريا، لكنها سُجلت خلال أيام معدودة في اجتياح التتار، فلنتخيّل فظاعة إجرام هؤلاء القوم.

ثانياً: مصير الشام لم يكن أحسن حالاً من أقاليم المشرق الإسلامي، ومما زاد الطين بلة تواطؤ هيثوم الأول، ملك الأرمن، وبوهيموند السادس أمير الصليبيين في أنطاكيا مع المغول، فأحرق هيثوم الأول الجامع الأموي في حلب، ودنّس بوهيموند السادس الجامع الأموي في دمشق.

وهكذا سقطت معظمُ مدن الشام بأيدي التتار، ومن لم تفارق الروح جسده من أهل الشام والعراق، فقد ناله أبلغ الإهانات من قبل المغول الذين كانوا يرشّون الخمر في وجوه المسلمين ويجاهرون بالفِطر في رمضان ويرمون النجاسات قرب المساجدِ التي خرب الكثير منها.

ثالثاً: أما في غرب العالم الإسلامي، وتحديداً الأندلس، فقد كانت الحصون والقلاع والحواضر الكبرى فيها تتهاوى أمام الصليبيين الإسبان لدرجة أن أعظم مدينتين في الجزيرة الأندلسية، وهما قرطبة وإشبيليّة، قد سقطتا أمام القواتِ القشتالية.

ماذا حدث بعد ذلك؟ الحقيقة أن هذه الفترة الكالحة كانت عبارة عن فترة امتحان للأمة، وكما علمتنا السنن الربانية فقد أتى اليسر بعد العسر، ووُلد الفرج من رحم الكَرب،

حيث كان المغول وهم لا يشعرون سبباً -بعد اللهِ سبحانه وتعالى- في ظهور قوتين إسلاميتين كُبريين:

القوة الأولى:

هم المماليك الذين أسرهم المغول حينما اجتاحوا بلاد ما وراء النهر (أوزبكستان وجزء من كازاخستان وقيرغيزستان) وباعوهم للأيوبيين، مرّت الأيام وصارت السلطة للماليك، فكانوا السيف الذي قصم ظهر المغول حتى طرحوهم أرضاً وأخرجوهم من بلادنا صاغرين، وكان من أبرز معاركهم عين جالوت.

القوة الأخرى:

هي الخلافة العثمانية التي كانت نتيجة هجرة قبيلة «قايي» التركية من أواسط آسيا بسبب الغزو المغولي أيضاً، هذه الدولة تسلّمت دفة القيادة من المماليك، وحملت لواء الدفاع عن الإسلام بعدهم لمدة 4 قرون، وكان منها محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية ونال شرف تزكية رسول الله ﷺ الذي قال في الحديث الصحيح: «لتُفتحنَّ القسطنطينية، فَلَنِعم الأميرُ أميرُها ولنعم الجيشُ ذلك الجيش»

إن التاريخ اليوم يعيد نفسه مجدداً، حيث اجتمع على المسلمين الصليبيون واليهود على اختلاف أسمائهم، فاحتُلت بلاد كاملة وشردت شعوب، وسرقت معظم الثروات.

وفوق ذلك كله، جثم على صدور المسلمين حكام ليسوا سوى جواسيس للغرب وقفّازات قذرة يضربنا بها؛ لكن رغم ذلك، فكلما ازدادت المصائب عليها، فإن الأمة الإسلامية تخرج أقوى، فالمحن تتلوها المنح ومن الألم ينبثق الأمل، وإن سنن التغيير وقوانين التاريخ، بل وقبل ذلك وعد الله وبشرى رسول الله، كل هذا يُنبئنا أنه كما وُلدت من رحم معاناة الأمة زمن التتار والصليبيين قوتان كبيرتان، ستولد من رحم أزمتنا الجارية قوة عظمى ليست على نهج المماليك ولا العثمانيين، بل على نهج النبوة، قال عليه الصلاةُ والسلام: «تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا

إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ ثُمَّ سَكَتْ» رواه أحمد.

إننا نحتاج التفاؤلَ في الأزمات كما نحتاج النور في الظلمات، يجب أن نوقن بأن المستقبل للإسلام، ليس المستقبل البعيد، بل القريب، وربما القريب جداً.

منتدى قضايا الثورة

أحمد سعد فتال

ناشط سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى